طلال سلمان

غرب موقف من ديموقراطية من لبنان الى ايران واسرائيل

أخيراً، وبعد العيش لفترة طويلة في قلب الخوف من زلزال الانتخابات النيابية بقانون الستين اللاغي لكرامة الإنسان، تنفس اللبنانيون الصعداء: الحمد لله! لقد نجونا من فتنة عمياء بأعجوبة الخوف، خوف الكل من الكل!
أما «الدول» التي كانت قد وصلت إلى حافة اليأس من التجربة اللبنانية الفريدة في بابها، الديموقراطية بالطائفية، وتناوب كبار مسؤوليها على نعي آمالهم في رؤية «لبنان مستقل» متهمين «حزب الله» باغتياله، فقد انتبهوا متأخرين إلى أن الانتخابات التي جرت ـ ولأول مرة في تاريخ هذا الوطن الصغير ـ في يوم واحد، قد تمت بهدوء استثنائي، ومن دون حوادث أمنية تذكر… ثم إن نتائجها (المغايرة للتوقعات) لم تدفع الخاسرين للنزول إلى الشارع اعتراضاً أو رفضاً بقوة السلاح!
وأما القادة العرب الذين لم يشتهر عنهم ولعهم بالانتخابات، أي انتخابات، فقد هبّوا ينشدون بصوت واحد تهليلاً للديموقراطية، ويباركون العصبيات الطائفية والمذهبية التي اصطنعت التاريخ الجديد للديموقراطية في العالم..
لم يشكّك مسؤول واحد في صحة النتائج المعلنة للانتخابات بقانون الستين! بل تباروا في الإشادة بعمق تعلق اللبنانيين بالديموقراطية الضامنة لتوازن الرعب بين طوائفهم!
وكثيرون منهم اعتبروا نتائج هذه الانتخابات بطوابير الطوائفيين المستنفرين والمستعدين لارتكاب المذابح الجماعية لتوكيد التفوق، نصراً بهياً للديموقراطية يستحسن تعميمه في العالم (خارج حدود بلادهم بالطبع!).
بديهي، والحالة هذه، أن يطرح سؤال طريف من نوع: إذا كانت هذه هي الديموقراطية فماذا يمكن أن يقال عن الانتخابات في بريطانيا مثلاً، أو الولايات المتحدة الأميركية، فضلاً عن سويسرا، التي يحبها الأغنى من القادة العرب حباً جماً؟!
الطريف أن الأعظم فصاحة والأكثر حماسة للتهليل لديموقراطية الانتخابات بقانون الستين في لبنان هم من لا يسمحون لشعوبهم بأن يتعرفوا إلى أي شكل من الديموقراطية ولو تلك المحروسة جيداً بالعسكر أو بأهل التطرف في أصولياتهم ممن يعتبرون الانتخاب إثماً يعادل الكفر أو شركاً بالله!
أما المدائح الغربية للديموقراطية الطوائفية في لبنان فقد ركزت على خسارة سوريا وإيران «الحرب بالانتخابات»، متجاوزة كل ما يتصل باللبنانيين و«حوافز» تصويتهم بهذه الكثافة الذهبية غير المسبوقة!
بالمقابل فإن التشكيك بنتائج الانتخابات في إيران قد سبق توجه الإيرانيين إلى صناديق الاقتراع..
وكان من السهل ملاحظة «المشترك» في أساليب الدعاية والترويج بين جماعة 14 آذار في لبنان وبين مرشح «المعارضة» في إيران مير حسين موسوي (وسائر الثورات البرتقالية في أوروبا الشرقية)… ولا يهم أن يكون رافعو الشعار في بيروت من أهل الحكم بينما رافعوه في طهران من أهل المعارضة!
إنها، في النهاية، معركة واحدة!
فنائب الرئيس الأميركي جوزف بايدن الذي جاء إلى بيروت محذراً، ومنها أعلن عن قرار إدارته بمعاقبة الشعب اللبناني إذا ما فازت المعارضة في الانتخابات، هو هو من شكّك في نزاهة انتخاب محمود أحمدي نجاد لولاية رئاسية جديدة في إيران.
أما وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير الذي غاب عن السمع عشية الانتخابات في لبنان التي كان يخاف منها على النظام الديموقراطي بافتراض أن «حزب الله» ومن معه سيفوزون فيها بأغلبية كبيرة، فقد وجد في تظاهرات المعارضين لتجديد ولاية نجاد في الرئاسة الإيرانية فرصة ثمينة لإعطاء دروس في الديموقراطية والسلم الأهلي لذلك الشعب الذي يحاصره الغرب كله، وتهدده إسرائيل على مدار الساعة (!!)، ويحرّض ضده بعض القادة العرب العاجزين عن حماية دولهم بالتقدم وأسباب المنعة!
يمكن تسجيل المزيد من المفارقات:
ففي عيون الغرب، العائد مرة أخرى لاستعمار بلاد المسلمين بدءاً بالعراق وصولاً إلى أفغانستان، مع ترك المشرق العربي ـ وصولاً إلى إيران ـ لإسرائيل تقرّر لشعوبه مصائرها وفي الطليعة منها شعب فلسطين، الذي أبلغنا نتنياهو، أمس، ما كنا نعرفه دائماً من رفضه لحقه في دولة مستقلة له فوق أرضه التي يُراد لها أن تكون دولة لليهود (بما فيها القدس)… نهائياً وإلى الأبد!
.. في عيون هذا الغرب تكون الديموقراطية صحيحة وسليمة وأصولية بقدر ما تكون تزكية لحكم دكتاتوري، أو سبباً للفتنة بالطائفية أو بالعنصرية أو بالقبلية، بين أبناء الشعب الواحد.
وتكون الديموقراطية أصيلة وأصلية إذا ما كانت تمويهاً لعنصرية دموية مفضوحة كالتي ترتكز إليها إسرائيل… فيقبلها الغرب مشيداً بتجربتها الديموقراطية الفريدة في بابها حتى وهي تغرق غزة في دماء أهلها، وتطرد عموم الفلسطينيين من أرضهم الموروثة عن الأجداد لتقيم فوقها مستعمرات للمستوطنين المستقدمين من شتى أنحاء العالم لكي… يعززوا الدولة الديموقراطية الوحيدة في هذا المشرق المنكوب بحكامه كما بتراث الحقبات الاستعمارية التي امتدت دهوراً سوداء!
وفي العودة إلى لبنان: نكرّر الشكر لله العلي القدير أنه جنّبنا ـ حتى الآن ـ أن ندفع من دمائنا ومن سلامة وطننا الصغير ثمن الديموقراطية الطوائفية الفريدة في بابها، التي تلغي المواطنين لتحل محلهم رعايا الطوائف، وتلغي الدولة لتستنبت فيدراليات الطوائف المؤهلة لأن تذهب إلى الحرب الأهلية كلما اقتضت مصالح «الدول» أن تنشغل شعوب هذه المنطقة عمّا يدبّر لها في الخارج باقتتال داخلي يلغي دولها ويجعلها مجرد رهائن لإسرائيل تقرّر لها مصيرها… بفضل ديموقراطيتها النموذجية!

Exit mobile version