طلال سلمان

عيد ضائع في انتظار اهلة

منذ سنوات طويلة و العيد ممنوع من الدخول إلى معظم الاقطار العربية… لذلك فليس من المستغرب أن تشجر الخلافات حول موقعه من أيامهم، فيصير لعيد الفطر، مثلاً، ثلاثة مواعيد… ولا عيد!
ذلك ان المآسي الوطنية التي تتخذ شكل الصراع الأهلي أو الاختلاف السياسي على حافة الفتنة لم تترك معبراً للأعياد، ولو نحو الأطفال الذين للمناسبة، صارت احتفالاتهم بالعيد شبه حربية بأسهمها المتفجرة والمفرقعات التي تكاد تكون بقوة زخات الرصاص..
في فلسطين وجرحها المفتوح بالاحتلال الإسرائيلي منذ دهور، ها هي الخلافات من حول السلطة التي لا تملك ولا تحكم وليس لها من الأمر إلا التسمية المفخمة بغير مضمون، يلتهم الجوع العيد ومعه السلطة وأهلها بينما ينقسم هؤلاء فريقين مسلحين وشرسين متنازعين حتى على الهواء في عملية عبثية يعجز عن ابتداعها العدو الإسرائيلي ذاته.
أما في لبنان الذي لا يكاد يخرج من أزمة كيانية حتى يدخل في أزمة مصيرية فإن خلافات الاطراف السياسية فيه وصلت من الحدة بحيث أصابت جمهوره بعمى الألوان، فبات يخلط بين العدو والصديق، وحتى إسرائيل صارت موضع انقسام وكان الموقف المبدئي الحاسم منها بين مكونات الموقف الوطني والرواية الموحدة للحاضر والمستقبل…
في العراق تحت الاحتلال الأميركي الذي يتمزق أمام عيون أهله العرب (والعالم) لا يجد العيد طريقه إليه وسط بحور دماء أبنائه، سواء بأسلحة المحتل الأجنبي أو الوافد لإذكاء الفتنة بالشراكة موضوعياً مع الاحتلال، أو بأسلحة من أعماهم التعصب المعتق فاقتتلوا في ما بينهم على عراق مضيع، منتهك السيادة والوحدة، ممزق الكيان، مستعيدين من عصور الانحطاط والهيمنة الأجنبية والفرقة الداخلية بسبب من الصراع على السلطة، ما يضيعهم عن اليوم والغد وما يضيّع اليوم والغد منهم.
? ? ?
من أين يعبر العيد إلى أهله؟!
إلى لبنان الصغير الذي فتحت أبوابه الحرب الإسرائيلية على مصاريعها فجاءت الدول جميعاً وازدحمت بأعلامها فوق أرضه وبحره وسلطته، وافترق حلفاء الأمس وانهارت شراكة الربح عند أول مواجهة جدية للمسؤولية عن هوية البلاد… ونزل الخلاف، أو انه أُنزل إلى الشارع، وهكذا طاولت الخسارة الفرقاء جميعاً، وعوّض العدو بعض خسائره، ولو معنوياً، واحتلت الدول مساحة التحالف القديم موزعة الشركاء على ضفتي الخلاف.
وفي فلسطين تتحول السلطة إلى مصدر للانقسام ومن ثم الفتنة، ويتناوب أهلها على تدمير القدسية في قضيتهم التي كانت جامعة فتهاوت ومعها حلم الدولة فكيف بالاستقلال، خصوصاً وإسرائيل تنهش الأرض على مدار الساعة، فإذا ما عاد المختلفون إلى وعيهم، بأعجوبة من عند الله، لن يجدوا أرضاً لسلطتهم المتهالكة والمفرغة من أي مضمون برغم التضحيات الغوالي التي كان الفدائيون يتنافسون على تقديم أرواحهم رخيصة على مذبحها على امتداد سبعين عاماً أو يزيد..
أما في العراق فإن لقاء العلماء الاجلاء في مكة المكرمة، في احضان منظمة المؤتمر الإسلامي، واتفاقهم على التوكيد على وحدة المسلمين، سنّة وشيعة، وتحريم الاقتتال، وإدانة الفتنة، والتعهد بحماية الأقليات، وغير ذلك من المبادئ السامية، أمر يستحق التقدير… لكنه لم يأت متأخراً فحسب، ولكنه جاء من جهة لا تملك أكثر من التمنيات، أما القدرة على الفعل فعند غيرها: قوات الاحتلال الأميركي ومن يأخذه العمى السياسي إلى القتل الجماعي في ظلها، أو يأخذه التعصب إلى منافستها في تدمير الرابط المقدس بين أبناء الشعب الواحد..
كيف للمختلفين على البديهيات، على الثوابت، على أسس الوحدة الوطنية، على شروط حماية الكيان السياسي، أن يتفقوا على موعد العيد ؟!
العيد معلق في انتظار اجتماع أهله..

Exit mobile version