طلال سلمان

عن وباء “كورونا” عربيا.. التكتم زاد اعداد الاصابات.. والصدق، يشفي!

ألغت جرثومة كورونا: “السياسة” في العالم.. لكن الرئيس الاميركي دونالد ترامب وجد ضالته الانتخابية في الصين ليتهمها بنشر الوباء في العالم، بعد “تصنيعه” في ووهان، حيث ضرب هذا الوباء الخطير ضربته الأولى.

ولقد ردت الصين بهدوء قائلة أن الوباء قد جاءها من الخارج، مع ذلك فقد استطاعت وقف اجتياح بلاد المليار نسمة، بينما عجزت الولايات المتحدة الاميركية عن وقف انتشاره حتى زادت الاصابات عن المليون، لا سيما وان مدينة نيويورك وحدها سجلت رقماً قياسياً في أعداد المصابين..

أما البلاد العربية، لا سيما الخليجية منها، فقد بدأت بالإنكار، لكنها مع تعاظم اعداد المصابين اضطرت إلى الاعتراف بوصول الوباء اليها، ثم اخذت تزيد في ارقام المصابين عندما انتبهت إلى أن الدول العظمى، كالصين وعواصم اوروبا الغربية (باريس وروما ومدريد وبرن وفيينا ومن ثم روسيا) بادرت إلى الاعتراف واذاعة ارقام المصابين على مدار الساعة..

كان للكويت “شرف الريادة” عربياً، اذ باشرت الاعلان، يومياً، عن تزايد اعداد المصابين، ثم اعترفت قطر بانتشار الوباء فيها بحيث كادت تلتحق بالدول الاوروبية، ثم اضطرت السعودية إلى الاعتراف مشيرة بأن انتشار الوباء قد تركز في مكة المكرمة والمدينة المنورة، قبل أن يجتاح جده فيهرب الملك سلمان إلى “نائل” على البحر الاحمر.. اما مصر فقد تأخرت في الاعتراف بانتشار الوباء فيها، ثم اخذت تذيع اعداد المصابين، على استحياء.


لأمر ما، لعله يتعلق بالطقس، ظلت الاصابات في لبنان وسوريا، قلية نسبياً، ومعظمها جاءت مع الوافدين الذي كانوا يقيمون في العواصم الاوروبية، ورغبوا في العودة إلى اهاليهم، خصوصاً بعد انتشار الوباء في اوروبا جميعاً، ساحلاً وسهلاً وجبلاً وحتى البحر الابيض المتوسط وبحر الشمال.

ما يعنينا، هنا، مدى احترام الدول العربية لكرامة انسانها..

فليس العيب في الوباء، او في انتشاره لا سيما وقد ضرب الدول الكبرى مصيباً مئات الالوف من اهلها (وآخر مركز لانتشاره الآن، روسيا)..

العيب في أن نخفي اخبار الوباء وكأنها من اسرار الدولة، حتى إذا تفاقم انتشاره اضطررنا إلى الاعلان عنه، بخفر لا مبرر له، ثم باشرنا باتخاذ اسباب الوقاية ارتجالاً وتقليداً للدول الاخرى، بغض النظر عن اختلاف المناخ واعداد السكان.

ولقد تحلت وزارة الصحة في لبنان بالجرأة في الاعلان عن اعداد الاصابات، وجال وزير الصحة على المناطق جميعاً، من اقصى الشمال إلى اقصى الجنوب، مع وقفات مطولة في المستشفيات التي تضم مصابين بالكورونا، وعلى وجهه الكمامة كما الجميع، مطمئناً الاهالي إلى اهتمام دولتهم بسلامتهم..

أما في مصر فقد سقط التكتم مع تعاظم انتشار الوباء، واضطرت السلطة إلى الاعتراف بأعداد المصابين وتحديد المستشفيات المؤهلة لاستقبالهم.


لقد ضرب وباء كورونا العالم اجمع، من ادناه إلى اقصاه وبالعكس.. وتبارت الدول في محاولة ابتداع العلاج، متجاوزة تبجح الرئيس الاميركي ترامب واتهامه الصين “بتصدير” الوباء إلى بلاده، فردت الصين بلسان سفيرها في واشنطن بانه قد نشر ما يتصل بهذا الوباء في مقال نشره في “واشنطن بوست” مع بداية العام، أي قبل اربعة شهور من تهور ترامب (كالعادة) في اطلاق الاتهامات ضد الغير، سعياً لتبرئة نفسه من المسؤولية..

هكذا تحول الوباء إلى سلاح سياسي..

فالحرب الباردة تتسع لمثل هذه الاتهامات، خصوصا وان الرئيس الاميركي ترامب لا يُخفي غيظه من الصين التي تكاد تنتشر ـ عبر خبرائها ـ في اربع رياح الدنيا، حيث يعيش هؤلاء الخبراء في الخيام ا و في قطارات السكة الحديد، ويبنون الافاً مؤلفة من البيوت، ويشقون الطرقات في الادغال وفي الاراضي المهملة داخل “القارة السوداء” او عند شواطئها.

ولقد تأخرت روسيا في الاعتراف بانتشار الوباء وفيها، وتكاثر أعداد الاصابات حتى تجاوزت ربع المليون، لكن الرئيس الروسي بوتين اتخذ مبادرة شجاعة بالإعلان عن فتح البلاد للمسافرين، بعد أن امدته الصين بأسباب العلاج… انه رئيس دولة عظمى، وهو بالتالي ـ لا يخشى هذه الجرثومة الصغيرة الصغيرة التي تتغلغل داخل الداخل من الجسد البشري ـ وتفتك ـ بهدوء مثير ـ بصحة المصاب.


المسألة تتصل، اولاً واخيراً، بمدى احترام الانظمة، على اختلافها، بسلامة رعاياها..

لقد اغلقت معظم الدول التي ضربها هذا الوباء ابوابها امام الوافدين اليها، ومنعت خروج مواطنيها فارضة عليهم الحظر حيث هم..

لكن الصين التي كانت الأولى في الاعلان عن وباء كورونا فيها، والتي ذهب رئيسها بنفسه، وارتدى الكمامة، وهو يتفقد المرضى في بعض مستشفيات… تعلن الآن رفع الحظر، وفتح ابوابها امام الآتين اليها، برغم أن كثيرين منهم كانوا مصابين بداء كورونا.

بالمقابل فان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد ، أعلن انتهاء فترة الحجر، على مواطنيه، وفتح البلاد امام العالم، برغم أن الاصابات في بلاده تتزايد باستمرار… ولكنه افترض انه يمكن علاج القادمين كما القاطنين، لا سيما بعد تبادل الخبرات مع الصين.


بالمقابل لم تتصل دولة عربية بأخرى، ولو للاطمئنان، او للسؤال عن العلاج الناجح او الاكثر نجاحاً في وجه اجتياحات هذا الوباء القاتل.

الصمت هو السائد بين الدول العربية، لم يرفع أي مسؤول سماعة هاتفه للاطمئنان إلى سلامة أهله وجيرانه، وكيف تعاملوا مع الوباء، واين نجحوا وأين اخفقوا، وما هو العلاج الاكثر فعالية؟

اختفت الهيئة الصحية لجامعة الدول العربية، التي “انتجت” الرئيس الجديد للجمهورية التونسية..

وخبأ العديد من المسؤولين العرب رؤوسهم في الرمال، معتبرين أن الاعتراف بالوباء يدل على المسؤولية عن وجوده، ثم عن انتشاره، ثم عن التقصير في علاج المرضى..

لكن رحمة الله تدخلت فحدت من عدد الاصابات، وربما كان للمناخ فضل ايضاً، اذا قارنا بينها في بلادنا وفي اوروبا والاميركيتين والصين وروسيا..

والحمدالله أن العناية الالهية قد تدخلت فحمتنا، والا فان انظمتنا كانت ستخفي كل ما يتصل بالوباء حتى لو قضى على ربع السكان او أكثر!

حماكم الله جميعاً من هذا الوباء الجديد الذي يصعب كشفه قبل الاصابة، والذي جاء بعض المصابين به مع الهاربين من حيث كانوا يبحثون عن الرزق، ثم فرض عليهم الوباء أن يعودوا مسلّمين بان الرزق على الله، والسلامة اولى.

تنشر بالتزامن مع السفير العربي

Exit mobile version