طلال سلمان

عن نهايات الحرب في العراق وسوريا وعليهما.. لا تعديلات في صيغة كردستان ولا تقسيم لسوريا

هل انتهى زمن الحروب في دول المشرق وعليها (العراق وسوريا خاصة ومعهما اليمن وليبيا) وآن أوان التسويات، عبر مساومات دولية، ومحاولة استنقاذ محلية بالثمن أم أن زمن النهايات لما يحن بعد؟

لقد تم اسقاط مشروع التقسيم في العراق، بعد إفشال الانفصال في كردستان العراق، وجرى تثبيت الصيغة الاتحادية، بعد مقامرة مسعود البرازاني الذي لم يستطع المضي بها بعيداً في تضاد مع الوقائع الصلبة لحقائق التاريخ والجغرافيا ..

وفي سوريا التي تقترب الحرب فيها وعليها من نهاياتها، ميدانياً، تلوح في الأفق مخاطر تقسيم عنصري تدفع الولايات المتحدة الأميركية بالأقلية الكردية لأن تكون أداته أو حصانه ..

ولعل الهدف الأميركي في سوريا من المشاركة المباغتة في تلك الحرب بتشجيع الأكراد ومعهم بعض العرب على الاندفاع في مغامرة احتلال الرقة كمدخل لمحاولة ابتزاز النظام، ومعه وبعده، روسيا بوتين الذي عبر عن تخوفه من احتمال تقسيم سوريا، وان هو لم يؤكده .. علماً ان الأكراد في سوريا لا يشكلون أكثر من عشرة في المائة، يضاف اليهم أعداد تتراوح بين مائتين وخمسمائة ألف كردي هربوا من الاضطهاد التركي، وانتظم شبابهم في حزب مسلح رئسه ذات يوم عبد الله أوجلان الذي لجأ الى سوريا حيث عكف على الإعداد لثورة مسلحة تحت شعار “حقوق أكراد تركيا” في الاستقلال أو في صيغة اتحادية مع انقره. وعندما استشعرت تركيا خطر هذه الحركة ضغطت على دمشق الى حد التهديد بالحرب، فطلبت الى أوجلان المغادرة فغادر فعلاً .. لكن المخابرات التركية تمكنت من “اصطياده” في إحدى دول افريقيا، واقتادته الى محاكمة عسكرية في انقره حيث حكم عليه بالسجن مدى الحياة، لكن ذلك الحكم لم ينفذ، بل يستخدمه أردوغان، الآن، في سجنه كورقة ضغط على الأكراد تلجمهم عن الاندفاع الى الحد الأقصى من مطالبهم.

على هذا فليس وضع الأكراد في سوريا مشابهاً لوضع أكراد العراق.. بل ان سوريا عرفت، في تاريخها الحديث، أكثر من رئيس للدولة كردي، وأكثر من مفت كردي، وحضور الأكراد في الحكومة والمجلس النيابي والجيش مؤثر، وان كانوا يشكون من إهمال أعداد منهم لم يشملهم الإحصاء وظلوا مكتومي القيد حتى اليوم.. علماً ان مفتي الديار السورية (أحمد كفتارو) وبعض كبار رجال الدين والعلماء كانوا من الأكراد، ولهم منزلتهم وتقديرهم.

ولقد كان للأكراد في العراق، خصوصاً، تاريخ من الاضطهاد بلغ ذروته في عهد صدام حسين، الذي فاوض البرازاني الوالد الملا مصطفى وأقر للأكراد بنوع من الحكم الذاتي لا يصل الى الفيدرالية وان كان يقاربها.. ثم نكث باتفاقه وشن حرباً مدمرة على الأكراد في شمالي العراق بلغت ذروتها المأساوية بمذبحة حلبجة، حيث استخدمت الأسلحة الكيماوية فأحرقت البلاد والعباد.

ولقد انتهى عهد صدام حسين الذي انهك العراق بالحروب العبثية التي شنها على إيران ـ الثورة الإسلامية وامتدت لسبع سنوات طويلة، ثم على الكويت وكلفت الإحتلال الأميركي الجزئي للعراق الذي سرعان ما تحول الى حرب شاملة توقفت مع اسقاط صدام الذي اختفى لفترة، حتى اذا كشفه جنود الاحتلال الأميركي تم تسليمه الى شيعة العراق لكي يعدموه.. فتكون فتنة!

بعد العام 2003، أعاد الاحتلال الأميركي هندسة السلطة في العراق، فاستغل شبق سياسيي الشيعة اليها فمنحهم رئاسة الحكومة المعززة بأنها مصدر القرار، في حين أعطى الأكراد منصب رئاسة الجمهورية، محدود الصلاحيات، والذي شغله في الفترة الأولى ولمدة سبع سنوات الراحل مصطفى البرازاني، ثم خلفه الرئيس الحالي فؤاد معصوم، في حين بقيت رئاسة المجلس النيابي من نصيب السنة.

اُقرت لحكم العراق صيغة فيدرالية، إرضاء للأكراد، وصار كردستان العراق “إقليماً” برئيس منتخب فيه وحكومة محلية ومجلس نيابي، فضلاً عن مشاركته في الدولة المركزية بعدد من الوزراء كان بينهم، قبل حين، وزير الخارجية هوشيار زيباري (وهو خال البرازاني)..

.. وكان ان دخلت جحافل “داعش” العراق، فاحتلت بعض شماله وشرقه بعنوان الموصل وما جاورها، في العام 2014، من دون أن تدخل “الإقليم” الكردي، واستمر احتلال هذا التنظيم المتوحش أكثر من ثلاث سنوات، وتجري تصفية عصاباته الآن.

ومعروف ما جرى في الآونة الأخيرة، حين أقدم مسعود البرازاني على إعلان “استقلال” الإقليم، بعد إجراء “استفتاء شعبي” نال الأكثرية المطلقة، من دون أن يلغي ذلك أن قوى كردية وازنة أعلنت تمسكها بالاتفاق مع بغداد… ثم ان الحكومة المركزية شنت حملة عسكرية استعادت فيها ما اقتطعه البرازاني من أرض عراقية خارج الإقليم، أهمها مدينة كركوك ومنطقة سنجار وبلدات ريف الموصل وأنحاء أخرى.

واستقر الرأي بعد المغامرة العسكرية وإفشالها على “الحوار” وفي بغداد، وعلى أساس القواعد التي قامت عليها صيغة الحكم في العراق..

وبين ضمانات الاستقرار في العراق مع إنهاء التمرد الكردي والعودة الى الصيغة الدستورية الدعوة التي وجهها المرجع الشيعي السيد السيستاني الذي يحظى باحترام الأطراف جميعاً في العراق، للتلاقي وتثبيت التوافق الأصلي والإلتزام به.

أما في سوريا فلم يكن الأكراد انفصاليين في أي يوم، بل هم كانوا شركاء في السلطة دائماً، وفي مواقع قيادية، وتتمثل ظلامتهم بضرورة قيد من أهمل قيدهم، على مر السنوات من الأكراد في المناطق النائية (على الشريط بين الحدود التركية والحدود العراقية)..

على أن الإدارة الأميركية، والبنتاغون تحديداً، فكروا بالرد على دخول القوات الروسية الى سوريا، بناء لطلب النظام، لمساعدته في القضاء على “داعش” و”النصرة” وسائر مشتقات “القاعدة” … وهكذا توجهوا الى بعض التنظيمات الكردية، وشكلوا منها “جيشاً” ضموا اليه بعض عرب البادية، ودفعوا به الى احتلال بعض المناطق التي تقع على حدود تركيا، ثم تراجعوا بعد انذارات حاسمة من الرئيس التركي أردوغان … وهكذا دفعهم الأميركيون بعدما عززوا قدراتهم نحو مدينة الرقة، في شرق العراق.. واسم هذه المدينة مطابق لموقعها على نهر الفرات وهوائها المنعش.. ويقال ان الخليفة العباسي هارون الرشيد هو من بناها، وانه كان يأتيها من بغداد وسط طريق تظلله خضرة البساتين على الجانبين.

ولقد نجحت “قوات سوريا الديمقراطية” في تحرير مدينة الرقة لتجدها خراباً، بينما كانت قوات النظام معززة بالطيران الروسي والدعم الإيراني ومقاتلي “حزب الله”، تتقدم من دير الزور فتستعيدها ومعها مدينة الميادين وتسابق القوات المدعومة أميركياً نحو استعادة آبار النفط في المنطقة الأغنى به في الأرض السورية.

وكانت ملفتة تلك الأخبار التي تحدثت عن زيارة قام بها وزير الدولة السعودي ثامر السبهان الى الرقة، بحراسة أميركية مشددة .. من دون أن يفهم الغرض منها، وان كانت دلالاتها قد أثارت قلق المعنيين في سوريا.

يبقى أن أهم ما قيل في ما يتصل بتطورات الحرب في سوريا وعليها هو ما جاء على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي، محذراً من خطر تقسيم سوريا، وان كان قد استبعده أو ان رأى انه ليس داهماً، خصوصاً اذا ما أحسن علاج المسألة.

وواضح أن المقصود بمعالجة الأمر هو السلطة في دمشق، لا سيما وان الاجتماع الجديد الذي سيعقد في أستانا، تحت الرعاية الروسية وبحضور النظام والمعارضات السورية المختلفة، ومشاركة أميركية محددة، لأول مرة، يتضمن جدول أعماله البحث بصيغة النظام مستقبلاً، مع الحفاظ على وحدة الدولة.

وبالتأكيد فان سوريا، التي لم تشهد في ماضيها دعوات تقسيمية لكيانها، يمكنها أن تعالج المسألة الكردية في نطاق وحدة الدولة، كما تؤكد مصادر رسمية في دمشق.

مع الإشارة الى انه حتى لو وافقت دمشق على صيغة تعطي أكرادها شيئاً من الحكم الذاتي فان تركيا ستزيد من قمع أكرادها الذين ما زالت اعتراضاتهم المسلحة تزعج أنقرة.

المهم أن فلول “داعش” في العراق وسوريا، تعيش أيامها الأخيرة..

والأهم النظر الى المستقبل في سوريا، كما في العراق، واستعادة الدولة ووحدة الأرض في هذين البلدين العربيين وهما من بناة التاريخ..

تنشر بالتزامن مع جريدة الشروق

Exit mobile version