طلال سلمان

عن نجاحات نتنياهو المذهلة

أهم النتائج التي تحققت »بفضل« جولة مادلين أولبرايت في المنطقة هي تلك التي لم تأتِ وزيرة الخارجية الأميركية لتحقيقها أصلاً، لكن »الثور الإسرائيلي الهائج« وفّر لها المناسبة والإطار وفتح أمامها الأفق الذي كان مسدوداً.
فشلت أولبرايت، لكن بنيامين نتنياهو نجح في أن يحمِّل نفسه مسؤولية فشلها بالكامل.
سقط الشك باليقين، وتبدى زعيم التطرف الإسرائيلي »لأصدقائه« في صورته الحقيقية التي لا يمكن أن يقبلها أو يتبناها أحد، فهو في خاتمة المطاف ليس مجرد متطرف مهووس، وإنما هو مصدر خطر على المصالح الاستراتيجية الأميركية، ومعها، ومن ضمنها بطبيعة الحال، مصالح إسرائيل بالذات.
تجاوزت الشكوى »المتشددين« من العرب و»المعتدلين« من الإسرائيليين، لترفع صوت »المحرجين« من الأميركيين (ومن قبلهم كان الأوروبيون قد جهروا برفضهم نهجه بالمطلق)، وهكذا تسنى »للمعتدلين العرب« أن يعودوا إلى »الموقف الطبيعي«، مطمئنين إلى أن ذلك يرضي واشنطن ولا يغضبها، وهو ضروري لها إلى حد أنها على الأرجح قد طلبته منهم، أو أنها شجعتهم على اتخاذه في حضورها، وفي كل الحالات لم تفعل شيئاً لمنعهم من اتخاذه.
وبغض النظر عن جدوى هذه المواقف مجتمعة، أقله في المدى القصير، فإن نهاية بنيامين نتنياهو باتت الآن احتمالاً جدياً، بينما كان يبدو إلى ما قبل شهرين أو ثلاثة وكأنه »قدر« لا مفر منه، ولا مهرب.
وصحيح أن أولبرايت حاولت إقناع العرب بأن القوة العظمى الوحيدة في الكون مضطرة لأن تتعامل مع نتنياهو كواقع، لتنصح بأن يقتدوا بها، إلا أن الحصيلة التي عادت بها من المنطقة كانت أبأس من أن يقنع بها أحد.
ومع أنه لا يمكن تفسير تحرّك »المئة من قادة اليهود الأميركيين الأساسيين، البارزين والمعروفين«، بمعزل عن رغبة إدارة كلينتون، فإن حديثهم عن المصالح القومية الأميركية مثل »استمرار تدفق النفط واستقرار الحكومات العربية الصديقة«، يعكس أيضا رغبة العديد من القوى اليهودية النافذة بإعلان »براءتها« من نتنياهو وحماقاته الاستفزازية.
»ثمة غضب يهودي على الليكود وقيادته«.
وقد عبر هذا »الغضب« المتقاطع مع »انزعاج« الادارة الاميركية، عن نفسه بالاعلان الذي نُشر صفحةً كاملةً في »نيويورك تايمز«، متخذا صيغة الشكر لمادلين اولبرايت التي احيت الدور الاميركي في العملية السلمية.
اما الوجه العربي لهذا الانزعاج الاميركي، فقد عبر عن نفسه في مؤتمر وزراء الخارجية لمجلس التعاون الخليجي في أبها، ثم بلغ ذروته بالتصريحات العنيفة التي اطلقها وزير خارجية السلطان قابوس، يوسف بن علوي، في تونس، امس، وكاد يتجاوز بها سقف »التشدد« العربي، ولا سيما انه قد اوحى بأن كلامه يعبر أيضا عن موقف حكومة زين العابدين بن علي.
فأن تجمد سلطنة عمان اتصالاتها، وبشكل كامل، مع نتنياهو، وان تتبنى الموقف السوري بحرفيته، من تركيا أيضا، بالاضافة الى اسرائيل، ليس حدثا عارضا، ولا هو ردة فعل عاطفية.
هل هذه مقدمات لهجوم اميركي مضاد، والى اي حد يمكن المراهنة على جدية مثل هذا الهجوم المفترض، والاستمرار فيه حتى يعطي ثماره؟!
ببساطة، يمكن الرد، فورا: ان ادارة بيل كلينتون اضعف من ان »تقاتل« نتنياهو، وان تلحق به الهزيمة داخل واشنطن، بداية، فكم بالحري داخل إسرائيل.
لكن إدارة كلينتون، على ضعفها، يمكنها ان »تحاصر« نتنياهو، فإذا ما بادرت فإن مفاعيل هذا الحصار دوليا ستكون مؤثرة جدا، خصوصا داخل اسرائيل، قبل الحديث عن الموقف العربي.
ومع ان الوحدة في هذا الموقف العربي تبدو الآن قريبة الاحتمال، فإن تصليبها وضمان رسوخها وعدم الخروج عليها، هي شرط لا بد منه لتحويل الضغط الدولي الى قوة مؤثرة، وربما مغيرة، داخل إسرائيل.
ولا شك في ان صمود الموقف السوري وبسالة المقاومة في لبنان، والتضامن الصلب الذي عبرت عنه المملكة العربية السعودية ودولة الامارات، اضافة الى تماسك الموقف المصري، والانتفاضات الشعبية الفلسطينية المتوالية، حتى لو اتخذت في بعض الحالات تعبيرات دموية، كل ذلك قد وفر الارض الضرورية والمناخ الصالح لارتفاع صيحات الاعتراض، بل الرفض الدولي للتطرف الاسرائيلي وزعيمه نتنياهو.
ان دم الشهداء لا يذهب هدراً.
ها هو يفعل ويؤثر، ليس على المستوى العربي، بل وعلى المستوى الدولي أيضاً.
والصمود على المطلب الحق ليس ارهاباً ولا هو مجافاة للمنطق الدولي، وخصوصاً متى واكبته الكفاءة السياسية العالية التي تبرزه باعتباره توجهاً حقيقياً نحو السلام الذي يمكن ان يعيش ويبقى.
لهذه الاسباب مجتمعة، فان الدورة الثامنة بعد المئة لمجلس الجامعة العربية التي تفتتح اعمالها في القاهرة اليوم، ستكون أقصر الدورات وانجحها.
لقد أنُجز جدول أعمالها، فعلياً، من قبل ان تبدأ جلساتها.
والمهم الانطلاق منها، وليس اعتبارها خاتمة المطاف.
انها نقطة بداية لعمل جدي مؤهل لان يحقق نتائج طيبة.
وهو امتحان للجدارة العربية قبل ان يكون للتضامن العربي او لمدى »صلابة« جدار التطرف الاسرائيلي.

Exit mobile version