طلال سلمان

عن مرسي الذي لم يمتع بالرئاسة: المدني الوحيد كان إخوانياً.. خلعه الجيش

وعيت الحياة، وجيلي، على اننا “عرب”..

ولم تمهلنا مقادير السياسة طويلاً، فاذا “فلسطين” تختفي من خريطة “وطننا العربي” لتمزقه “اسرائيل” بكيانها المزروع بالقوة، والتي ستتبدى، يوما بعد يوم، إثر هزيمة العرب النكراء في مواجهة المؤامرة الدولية التي مهدت لقيامها ثم تولت حمايتها، انها أقوى منهم مجتمعين.

كان الشعب العربي الموزع بل المتناثر في دول عديدة، اكبرها (مصر) يحكمها ملك من اصول البانية، والمشرق قد تم تقسيمه بين المنتصرين في الحرب العالمية الاولى: لبنان لفرنسا (مع تعديلات على خريطة المتصرفية)، وسوريا لفرنسا ايضاً (مع اقتطاع بعض ارضها الوطنية لحساب تركيا (كيليكيا واسكندرون) وبعض آخر ـ الاردن ـ للعرش الهاشمي المصغر (الامير عبدالله، ابن الشريف حسين، مطلق نداء “الثورة العربية الكبرى” في العام 1915 لحساب بريطانيا العظمى)، اما العراق فقد اعطي لشقيقه الاصغر الملك فيصل الاول بعد أن رفضه الفرنسيون كملك على سوريا.. فهرب منها ليستقر ملكا في بغداد، بعد افشال ثورة العشرين في العراق.. ببنادق الاحتلال البريطاني.

كانت مشاعرنا القومية، مضمخة بدماء الشهداء وهزائم السياسيين، تزداد رسوخاً: نعم، نحن عرب، ولا بد أن نخرج من ليل الهزيمة بالانتصار عليها، ذات يوم!

وكان طبيعياً أن تنشأ احزاب وطنية في كل قطر عربي (الوفد في مصر برئاسة سعد زغلول الذي نفاه البريطانيون بالتواطؤ مع الملك فؤاد ـ والد فاروق) ثم تولى قيادة الوفد مصطفى النحاس، وقد شهد في عهده انشقاقاً خطيراً، (قبل النحاس والحزب بتولي رئاسة الحكومة، بناء لأمر الانكليز في العام 1944.. وكانت تلك نهاية النحاس والوفد).. ونشأ في الوقت نفسه تنظيم الاخوان المسلمين وكان شبه سري وله شعبية واسعة في بلد غالبية اهله من المؤمنين ولا ثقافة سياسية منفتحة؟

أما في سوريا فكان قد تم انشاء الحزب السوري القومي برئاسة انطون سعادة (ابن ضهور الشوير في المتن الشمالي في جبل لبنان) منادياً بوحدة اقطار الهلال الخصيب (لبنان، سوريا، العراق، والاردن طبعاً، وفلسطين مع اضافة قبرص كنجمة تزيينيه).. ولسوف يتواطأ حلم “الماريشال” حسني الزعيم بطل اول انقلاب عسكري في سوريا مع الاميركان ـ لتمرير النفط السعودي إلى مصفاة الزهراني في جنوبي لبنان ـ ومن خارج هذه الصفقة تواطأ مع الحكم في لبنان (بشارة الخوري ورياض الصلح) على تسليمه انطون سعاده.. فاقتيد إلى المحكمة العسكرية حيث حوكم وحكم بالإعدام وتم تنفيذ الحكم قبل صياح الديك فجراً.

بالمقابل نشأت في سوريا احزاب عديدة وطنية ليبرالية وقومية عربية والى جانبها الاخوان المسلمون، ثم ظهر حزب البعث بقيادة ميشال عفلق الذي انضم اليه الحزب الاشتراكي بقيادة اكرم الحوراني.. قبل الانخراط كمتطوع في الحرب من اجل فلسطين.

ولقد ظهر شيء من التنافس بين الأحزاب القومية والتقدمية (البعث والحزب السوري القومي الاجتماعي ثم حركة القوميين العرب في ما بعد) ومعها الأحزاب الوطنية المحلية (الشعب، الوطني الخ في سوريا) والتي طغت على بعضها في لبنان الصبغة الطائفية (الحزب الدستوري، حزب الكتائب، حزب الكتلة الوطنية، حزب النجادة) ثم الحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة كمال جنبلاط والحزب الشيوعي الذي تواجد في لبنان وسوريا ـ بقيادة موحدة.

تنامت الحركات الاسلامية (الإخوان أساساً) بعد الهزيمة في فلسطين، ربما كردة فعل على الحركة الصهيونية، وبافتراض أن الدين هو الطريق إلى التحرير.. ولقد تعاظم شأن الإخوان في المشرق عموماً حتى أن تنظيم الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر قد وجد نفسه ملزماً بالحوار معهم و”التحالف” ضد الملكية والوفد.. ثم سرعان ما شجر الخلاف إلى حد أن بعض الإخوان حاولوا اغتيال جمال عبد الناصر في واقعة مشهودة..
وشن النظام الجديد في القاهرة حملة قاسية على الإخوان اعتقل فيها الآلاف.

كذلك ظهر تنظيم الإخوان المسلمين في سوريا وتنامى عديده في مرحلة القلق وتعدد المحاولات الانقلابية بين 1948 و1958 موعد إقامة الوحدة بين مصر وسوريا، وامتداد الحظر على الإخوان إلى سوريا.

بعد الوفاة المفاجئة لجمال عبد الناصر (28 أيلول 1970) وتولي أنور السادات سدة الحكم في مصر، ولمواجهة “ناصريي النظام” الذين كانوا يتولون المرافق الأساسية في دوائر الحكم والإدارات، باشر “الرئيس الجديد” مغازلة الإخوان باعتبارهم “عدو عدوه”، وهكذا قربهم وأجاز لهم الظهور والحركة.

وقصد السادات، متحدياً الأمة جميعاً ودماء الشهداء من أبناء الشعب والجيش في مصر ودنيا العرب، تل أبيب، حيث استقبلته في المطار غولدا مائير ووزير الحرب موشي دايان.. ووقف أمام الكنيست الاسرائيلي ليلقي خطبة “جئتكم باسم السلام”. ثما كانت مباحثات كامب ديفيد تحت رعاية الرئيس الأميركي جيمي كارتر التي انتهت بمعاهدة السلام وتبادل التمثيل الدبلوماسي وفتح الحدود ضمن إجراءات معينة.

على أن شهر العسل هذا لم يطل، فخلال الاحتفال بـ”عيد النصر” في 6 اكتوبر 1981 أقدم ضابط شاب هو خالد الاسلامبولي على اغتيال أنور السادات خلال العرض العسكري بالنصر الذي كان أسوأ من هزيمة.. اذ احتلت اسرائيل شبه جزيرة سيناء وقناة السويس وشاطئها وهددت القاهرة..

… وكان أن اختير حسني مبارك رئيساً لمصر، بمساندة من الجيش الذي لم يشأ أن يخسر هذا المنصب الفخم.

ولقد امتد الحكم الباهت لحسني مبارك لثلاثين سنة، قبل أن تتفجر مصر بثورة شعبية رائعة ملأت ملايينها ميدان التحرير في القاهرة والمدن الأخرى.. وكانت كأنما أصيبت بعدوى الانتفاضة الشعبية في تونس التي أشعلها محمد البوعزيزي حين أحرق نفسه احتجاجاً على بؤس الحال وانعدام الأمل.

بعد شهر تقريباً من الاعتصام في ميدان التحرير، تقدم حسني مبارك باستقالته بعد أن حكم مصر لثلاثين عاماً متصلة… وجيء برئيس مجلس شورى الدولة عدلي منصور رئيساً مؤقتاً تمهيداً لإجراء انتخابات رئاسية.

… وجرت الانتخابات الرئاسية فعلاً، وقد خاضها أربعة مرشحين هم: عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، والمناضل الناصري حمدين صباحي، والمتحدر من صلب الإخوان المسلمين محمد مرسي.. وضابط متقاعد من جماعة السادات كان يعمل في الخليج.

… وكانت المفاجئة الصاعقة فوز محمد مرسي برئاسة جمهورية مصر العربية في 17 يونيو / حزيران 2012 بعد فترة انتقالية تولى الرئاسة خلالها بالنيابة مؤقتاً رئيس أركان حرب القوات المسلحة المشير محمد حسين طنطاوي ولقد اختار الرئيس مرسي اللواء عبد الفتاح السيسي لقيادة الجيش..


في 3 يوليو / تموز 2013 أقدم السيسي على اعتقال الرئيس محمد مرسي معلناً تولي الجيش مسؤولية الحكم في البلاد.

ثم تمت انتخابات رئاسية كالعادة، وفاز فيها، بالطبع المشير عبد الفتاح السيسي، في حين ارسل محمد مرسي إلى السجن وبوشر بمحاكمته بتهم خطيرة، خصوصاً وقد رد الإخوان على خلعه بتظاهرات واعتصام مفتوح في ميدان رابعة العدوية، وكان أن فض الجيش هذا الاعتصام بعد أيام، وسقوط أعداد من القتلى والجرحى، واعتقال المئات.

ولقد امتدت محاكمة مرسي لأربع سنوات، وكانت آخر جلساتها تلك التي عقدت قبل أيام، وسقط خلالها الرئيس السابق مغشياً عليه، ثم نقل إلى المستشفى لكنه مات قبل أن يبلغه.

.. وخلا الجو للسيسي رئيساً وقائداً، وها هو يجدد لنفسه رئاسته الدولة، بعدما عدّل الدستور، وجعل الولاية الرئاسية ست سنوات بدلاً من أربع..

ولسوف يتزامن إعلان نتائج الاستفتاء على الولاية الجديدة للسيسي مع مرور اسبوع على رحيل مرسي الذي لم يمتع بالرئاسة.

حمى الله مصر..

Exit mobile version