طلال سلمان

عن ليبيا – القذافي والسلطان التركي والمخاوف من تفجر الخلاف حول النيل!

زرت ليبيا، اول مرة، مع مطلع العام 1971، وكنت في مجلة “الصياد” نيابة عن “معلمي” آنذاك، الراحل سعيد فريحة الذي التقى في القاهرة بعض اعضاء “مجلس قيادة الثورة” بقيادة “الأخ القائد معمر القذافي”.

ولقد تيسر لي أن التقي “الأخ معمر” في مزرعة للزيتون في ترهونة حيث كان مع بعض رفاقه من عسكر الثورة يساعدون في جني الموسم الذي يتكاسل الليبيون عن جنيه.. لأنه كان يخص، قبل الثورة، الطليان.

كان معظم الليبيين يتحدثون، بعد، اللغة الايطالية بطلاقة، وكان الكثير من عاداتهم ومآكلهم مطبوعاً بالدمغة الايطالية.

جلسنا ارضا، انا أسأل و”الاخ العقيد” يجيب…

جاء الشواء فأكلنا، وقال “الأخ معمر”:- سنكمل هذا الحوار ليلاً.

*****

في الليل جاء من اخذني إلى “باب العزيزية”، حيث استجوبني القذافي لمدة أربع ساعات عن تجربة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في لبنان عموماً، مع اهل السياسة فيه ومع الصحافة في لبنان خصوصاً.

*****

ولسوف تتكرر زياراتي إلى ليبيا، ولقاءاتي مع “الأخ معمر” متنقلاً، بعد حين من موقع “المجيب” إلى موقع صاحب الاسئلة المفتوحة على المجهول.

وكان طبيعيا أن الاحظ التحولات التي طرأت على شخصية “الاخ معمر” بعد رحيل القائد العظيم جمال عبد الناصر.. وأبسطها انه قد انتبه إلى الفراغ في موقع قيادة الأمة، فقرر أن يكون هو البديل: القائد في السياسة، وفي الفكر وفي الاقتصاد وفي العمل لتحرير الأمة العربية جميعا، وان ظل لفلسطين الاولوية وللبنان المركز الاعلامي (التوجيهي) الأول.

ثم انه انتبه إلى افريقيا فقرر أن يكون “ملك ملوك افريقيا”..

..وانتبه إلى ما ارتكبه الاحتلال الاستيطاني في ليبيا، فأمر بمساعدة المخرج المبدع الراحل مصطفى العقاد على انتاج فيلم عن الشهيد البطل عمر المختار.. وان كان قد أصَّر على أن يُضيف إلى الفيلم ما يوحي بأنه انما يتابع رسالة البطل الشهيد. (والعقاد هو نفسه من اخرج فيلم “الرسالة” عن دور رسول الله النبي محمد، في نشر رسالة الاسلام في دنيانا..)

تجاوز القذافي دور “القائد” إلى دور المفكر والكاتب، فانتج مجموعة من الكتب، اولها عن الفكر والثورة الخضراء وآخرها عن “اسراطين”.

***** 

ما يعنينا أن معمر القذافي كما كل الليبيين، لم يكونوا يحملون في وجدانهم ذكريات طيبة عن السلاطين العثمانيين وعن الاتراك عموماً.

وان ما بعد رحيل القذافي بطريقة مأساوية، وسيادة الفوضى في “الجماهيرية” فان اهلها يحاولون أن يستعيدوا وعيهم وترميم دولتهم التي كانت ايام حكم الملك ادريس السنوسي تتكون من ثلاث ولايات: طرابلس الغرب، وبنغازي في الشرق، وسبها في الجنوب الغربي وتبعد عن مدينة طرابلس حوالي 750 كيلو مترا، يحدها من الشمال منطقة زلاف الصحراوية ومن ثم وادي الشاطئ. والمدينة هي المركز الإداري لمحافظة سبها (سابقاً) وتعدّ أكبر مدن الجنوب الليبي.    والحبشة.

برغم ذلك فان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يدعي أن ليبيا هي بعض املاك “السلطنة”، ولسوف يستعيدها ولو بالمرتزقة، وهو قد استخدم بعض اللاجئين السوريين هرباً من اتون الحرب المفتوحة في سوريا وعليها لإعادة ليبيا إلى احضان “سلطنته ” الجديدة.

وبالطبع فان الهدف الفعلي هو النفط الليبي معززاً بالفراغ السياسي، وبالانقسام الداخلي بين “حكومة طرابلس” التي تدعمها تركيا وبعض الغرب، وقوات العقيد خليفة حفتر في بنغازي التي حاولت، عبثا، احتلال طرابلس، ففشلت وارتدت على اعقابها.. خصوصا وان مصر عبد الفتاح السيسي تحاول اظهار حرصها على وحدة ليبيا كشرط بديهي لأمن مصر (والسودان)..

*****

المضحك – المبكي أن اردوغان يعتبر نفسه وريث السلاطين، وهو يحاول اجتياح ليبيا (وشراء حكومتها المؤقتة) طمعاً بنفطها وموقعها الاستراتيجي ومساحتها الخرافية التي تسمح له بتوسيع اطار مناوراته بوصفه السلطان الجديد الذي ينقصه الذهب فاذا ما استطاع توفيره امكنه أن يستعيد القصور والجواري والاميركان مع الروس..

بل ويستعيد في هذه الحالة القدرة على محاولة اقتطاع بعض الشمال والشرق في سوريا، بالتواطؤ مع الاميركيين: الحسكة ودير الزور، اضافة إلى منبج (قرب حلب) في الشمال، وبالتالي المساومة مع “الحكم الضعيف” في دمشق على احياء “السلطنة”.. خصوصاً بعد التنازلات التي حصل عليها بتسليم الحكم في دمشق كيليكيا واسكندرون ” توطيداً للعلاقات بين البلدين الجارين”.

***** 

ليس بين قادة العرب المشغولين بهمومهم الثقيلة من هو على استعداد لنجدة ليبيا..

  1. مصر بقيادة رئيسها عبد الفتاح السيسي لهمومه بموضوع “سد النهضة” التي تقوم اثيوبيا ببنائه على النيل الازرق قرب الحدود مع السودان، والذي يهدد السد العالي في مصر.. بقدر ما هي مشغولة بالهم الليبي، وبالفقر فيها، وجرثومة كورونا التي تضرب بلا رحمة موقعة الضحايا بالمئات بلا بالآلاف.
  2. والسودان تحت حكم العسكر مشغول بتأمين موقعه في السلطة، ولا يريد (ولعله لا يقدر) على الدخول في صراعات قد تهدد حكمه..
  3. واثيوبيا تفترض انها في الموقع الاقوى. فمصر “هبة النيل”، كما قيل قديما، والسودان يتفرع فيه النيل العظيم إلى ابيض والزرق، يحاول أن يلعب دور الوسيط، لعله ينجح في منع الصدام..

***** 

قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز:   

” بسم الله الرحمن الرحيم

“أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُون”… “سورة الانبياء”

عسى أن ينتصر العقل والمصالح المشتركة والعرى الوثيقة بين شعوب النيل لمنع الصدام.. فالنيل يكفي الجميع، ويفيض عن حاجة الجميع.. اذا حسنت النوايا.

*ينشر بالتزامن مع جريدتي “الشروق” المصرية و”القدس” الفلسطينية

Exit mobile version