طلال سلمان

عن لبنان و»قديسيه« في زمن حرب

لم ينتبه اللبنانيون الى ان عيد جميع القديسين قد منح مجلس الوزراء »اجازة« جاءت في وقتها تماماً فوفرت »هدنة« لما بعد »حرب العمداء« التي انتهت بانتصار ساحق للطائفيين والمذهبيين على الجامعة الوطنية.
مفهوم انه من المتعذر ان يتم التلاقي بين »القديسين« وبين الحكام عموماً، ملوكاً ورؤساء ووزراء وكبراء، فكيف في لبنان حيث يتنافس الطامحون الى السلطة على القرب من الشيطان والتمثل في.. بل ان بعضهم ينافسه وقد يبزه في »مكرماته« فيتفوق عليه!
في أي حال فان اهل الحكم لم يهدروا يوم الاجازة في العبث: رئيس الجمهورية داوم في القصر لكي يكرِّم كروان لبنان والعرب، وديع الصافي لمناسبة عيد ميلاده الثمانين، بينما تجاوز رئيس الحكومة الاحتفال بعيد ميلاده السابع والخمسين الى ان انتبه مضيفوه الروس، وقد كان في زيارة رسمية لهم في موسكو فأزجوا اليه التهنئة والهدايا وكادوا يغنون له »سنة حلوة يا رفيق« لولا حساسيتهم تجاه المعنى السياسي لكلمة »رفيق«، لا سيما وان الحكم الحالي ما قام الا على الغاء عصر »الرفاق« وأعلامهم الحمراء!
عشية العطلة كان وزير خارجية كندا قد جاء برسالة اميركية »رقيقة« مفادها ان عصر المقاومة قد انتهى، وان على الدولة ان تساعد في تأمين »تقاعد« مريح للمجاهدين المنتمين الى صفوف المقاومة او احالتهم كما فائض الادارة الى مجلس الخدمة المدنية لكي يوفر لهم وظائف بديلة تحفظ لهم كرامة ماضيهم بتأمين رغيف مستقبلهم.
ولقد سمع الوزير الكندي الجواب اللائق بدبلوماسيته وبدوره كمترجم للانذارات الاميركية بأربع »لغات« مختلفة باختلاف المناخات بين بعبدا وعين التينة وقريطم ووزارة الخارجية في السراسقة.. علماً بانه قد جاء ليقول، ولم يأت ليسمع، والا كان بامكانه ان يقرأ التصريحات الرسمية المتكررة على مدار الساعة، حتى ان اطفالنا باتوا يكرزونها كما اناشيد الحضانات والمدارس الابتدائية!
أما بعد العطلة فقد واظب السفير الاميركي في بيروت، كما قبلها، على توزيع »الشهادات« على الوزارات والادارات والمؤسسات والأجهزة الرسمية اللبنانية، مشيداً ببعضها، غامزاً من تلكؤ بعض آخر، معدلاً في لوائح المطلوبين والمطلوبات، بما يتناسب مع حجم الاصابات التي توقعها القلاع الاميركية الطائرة بين اطفال افغانستان.
آخر ما حرره السفير الاميركي الوسيم »تحفظه« على تصريح لحاكم مصرف لبنان، وكأنه كان يتوقع مثلاً ان يعرض عليه الامر فيفتي فيه لتجنيب اللبنانيين سواد الوجه بتبييض الاموال!
في الشأن الداخلي المحض تتأكد ظاهرة انعدام حس المسؤولية والاهتمام بالشأن العام عند »الشعب العنيد« عبر درجة الاهتمام بالمشروع الجديد لقانون البلديات الذي انجزته اللجنة الوزارية المكلفة باعداده، وهو مشروع وصفه رئيس الحكومة بانه »انجاز تاريخي حضاري«..
لقد نشرت اربع صحف النص الحرفي (الطويل) لمشروع القانون الذي يعيد شيئاً من الاعتبار الى الهيئة الناخبة، باعتبارها هي من يختار المجلس البلدي في كل مدينة او قرية بالاقتراع المباشر، وخصوصاً انه يحرر هذه المؤسسات المنتخبة من التبعية المعطِّلة (والمهينة احياناً) لموظفين بيروقراطيين، فوق كل »مسؤول« من بينهم »مسؤول«، وفوق »المسؤول« قائمقام، وفوق القائمقام محافظ، وفوق المحافظ مدير عام، وفوق المدير العام وزير الادارات والبلديات جميعاً برؤسائها والاعضاء والناخبين..
مع ذلك لم يصدر عن اي »زعيم« سياسي، او اي حزب، او اي نقابة، فضلا عن النواب الميامين، اي تعليق.. هم الذين يعلقون على كل شيء من آفة جنون البقر الى الجمرة الخبيثة ومن »شرعية تمثيل اسامة بن لادن للشريعة الاسلامية«، الى شرعية تمثيل جورج بوش لارادة الشعب الاميركي، وصولا الى إخلاف طوني بلير بتعهداته اذ لم يقطع للفلسطينيين وعداً بدولة ليمسح الصفحة السوداء في تاريخ العلاقات العربية البريطانية والمتمثلة بوعد سلفه المرحوم بلفور لليهود بوطن قومي على ارض فلسطين.. ذاتها!
الاخطر ان رؤساء البلديات واعضاء المجالس البلدية لم يقرأوا المشروع، وبالتالي فحين اتصلت بهم »السفير« اجاب نحو اربعين منهم بما مفاده انهم لم يعرفوا بالامر، و»اعترف« اثنان فقط »بجرم« القراءة مسجلين بعض الملاحظات، ثم تبين انهما كانا اعضاء في بعض اللجان التي شاركت وان بحدود قضية في مناقشة المادة الخام للمشروع العتيد!
وتبقى نقطة اخيرة لا بد منها طالما ان الحديث لامس جميع القديسين وعيدهم،
فبين الاخبار عن محادثات رئيس الحكومة في موسكو ان لبنان قد عرض على روسيا ان تعيد بناء المصفاة في طرابلس وان تبيعنا من نفطها، من ضمن صفقة مغرية لتعزيز العلاقات..
ومثل هذا العرض قد يكون مجزياً ومفيداً للبلدين، ولكن ماذا عن العرض (المنسي) الذي قيل ان العراق قدمه للبنان بان يعيد تأهيل المصفاة ذاتها والخط القديم لشركة نفط العراق (وهو ما زال تحت الارض) وان يبيعنا من النفط ما يحتاجه استهلاكنا مقابل بضائع ومنتجات لبنانية؟!
كبِّر عقلك، فالعقل زينة… واذا كانت تسمية عمداء للكليات في الجامعة الوطنية، ومن بين اساتذة في الملاك، قد اثارت حرباً، فكيف بالنفط والخط والمصفاة.. فضلا عن المشتقات«؟!
المهم ان »القديسين« قد وفروا لنا اسبوعاً هادئاً على صعيد قمة السلطة، وهذا مطلب عزيز ومكسب ممتاز في عصر الخسائر البلا حدود، على المستويات جميعاً، الوطنية منها والعربية (حتى لا ننسى فلسطين) والعالمية.
المشكلة غداً، حين يبدأ توافد القديسين بالمفرق تمهيداً لان يجتمعوا فتشتعل من جديد!!

Exit mobile version