طلال سلمان

عن فلسطين التي لا تهزم ولا تموت

يسجل للشعب العربي في فلسطين انه قد تخطى الشعوب عموماً، شرقاً وغرباً، في صموده واستبساله في الدفاع عن أرضه المقدسة.

انه يقاوم باللحم الحي غالباً، وبالقليل القليل من السلاح والكثير الكثير من الكرامة التي تعطي الحجر فعالية المدفع لأنه مطعم بالإرادة ومطهر بالدم، في مواجهة عدوه العنصري ـ الاستيطاني المعزز بالدعم المفتوح من الغرب كما من الشرق، بالمستوطنين كما بالسلاح.. فضلاً عن خيانات اهله العرب من حوله، كما من بعض المنحرفين في الداخل.

لقد فرض عليه القتال ضد أقوى حركة عنصرية في التاريخ، الصهيونية، معززة بدعم دولي مفتوح بدأ مع وعد بلفور (البريطاني) في 2 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1917، الذي تجسد على الأرض بتشجيع الهجرة والتهجير المنظم لليهود إلى فلسطين من مختلف أنحاء العالم.. حتى اذا ما جاءت الحرب العالمية الثانية توفرت الفرصة لإعداد “جيش” من اليهود الصهاينة، تحت رعاية دولية للقدوم إلى فلسطين والدخول في معارك مفتوحة مع شعبها حتى كانت “النكبة” في 15 أيار العام 1948.. وكان أول المعترفين بالكيان الجديد الاتحاد السوفياتي أولاً ثم الولايات المتحدة الأميركية، وقد هزمت الكتائب العربية المقاتلة، محدودة العدد، ضئيلة السلاح الفاسد في “الحرب” لم تكن حرباً بالمعنى الحقيقي.. وما انتشار النكتة السوداء “يا رب تيجي في عينه” إلا التلخيص الساخر لمجريات تلك الحرب، اذ كان الجندي المصري يبعد بندقيته عن وجهه ويطلق النار، خوفاً من أن ترتد الرصاصة إلى الخلف فتصيبه في عينه هو..

ولقد طاردت هذه النكتة السوداء الجيش المصري طويلاً، وكادت تصيبه في كرامته، فضلاً عن كفاءته القتالية.

بالمقابل كان بعض العرب من لبنان وأقطار أخرى يبيعون الفلسطينيين سلاحاً فاسداً وبأثمان باهظه، لأنهم كانوا بحاجة إلى أي سلاح يدافعون به عن أطفالهم وقراهم وكرامة الأمة وأرضها.

بعد الهزيمة في 1948 تجرأت اسرائيل على العرب أكثر فأكثر، فقامت مخابراتها بعدة ضربات في قلب مصر، ثم شنت اعتداء محدوداً على مصر في 1954، قبل أن تتواطأ مع بريطانيا وفرنسا للقيام بالعدوان الثلاثي في خريف 1956 الذي انتهى بهزيمة ساحقة للمعتدين قبل أن تشن حرب 5 حزيران 1967 على مصر وسوريا، فانتصرت عليهما.. إلى أن كانت حرب العاشر من رمضان (6 تشرين الأول 1973) حيث شنت قوات مصر وسوريا الحرب على الاحتلال الاسرائيلي لتحرير المناطق المحتلة.. وحققت في الأيام الأولى نصراً كاسحاً على الجبهتين، قبل أن يأمر السادات قواته بالتوقف عن التقدم، مما مكن القوات الاسرائيلية بقيادة أرييل شارون من القيام بهجوم مضاد فيحتل الشاطئ المصري من قناة السويس ويتقدم في اتجاه القاهرة.. مما مكن جيش العدو من التفرغ لمقاتلة الجيش السوري الذي تبدى وحيداً في مواجهة جيش الاحتلال.. ليتقدم هنري كيسنجر، وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية بمبادرته الشهيرة من أجل “الصلح” التي تم عقدها هدية مجانية للعدو في مصيف الرئيس الأميركي جيمي كارتر في كم ديفيد


مع ذلك استمر شعب فلسطين يقاتل وحده.. وكانت الحرب ضد لبنان لطرد المقاومة الفلسطينية ـ فارتحلت إلى تونس وتوزعت قواتها في أقطار شتى..

وعلى سبيل الترضية فقد تدخلت واشنطن، مرة أخرى، واستضاف الرئيس بيل كلنتون ياسر عرفات ومعه رئيس حكومة العدو الاسرائيلي اسحاق رابين وتم التوقيع على اتفاق سمح بموجبه للرئيس ياسر عرفات “بالدخول” إلى فلسطين (من دون قواته المسلحة)، واختيرت رام الله عاصمة للإدارة الذاتية التي ظلت خاضعة للاحتلال حتى اليوم.. وتحول الفدائيون إلى “شرطة” مهمتها قمع المناضلين وليس قتال العدو الاسرائيلي.


مع كل ذلك فان شعب فلسطين، بعنوان غزة، وأنحاء فلسطين الأخرى، ما زال يقاوم بعناد بل ببطولة اسطورية: تخرج الجماهير رجالاً ونساء، شبان وصبايا كل يوم جمعة إلى “السور” مقابل الشطر الآخر من أرضهم تهتف للتحرير وترشق جيش الاحتلال بالحجارة.. ويسقط منهم الشهداء والجرحى، لكنهم يعيدون يوم الجمعة التالي سيرتهم الأولى في مواجهة الاحتلال.

يفتدي الفلسطينيون أرضهم كل يوم.. فتبقى قضيتهم حية ويبقى الأمل بالتحرير راية للمستقبل.

Exit mobile version