طلال سلمان

عن زمان إسمه طلال سلمان

كلّ صباحٍ كان يدخل إلى كلّ البيوت في العالم العربي ليقرأوه مع قهوة الصباح. ما كتَبَهُ طلال سلمان إنما كان يستشرف المستقبل ويقول للطُّغاة اسمعوا وَعُوا، لكنّهم كانوا صُمًّا بُكماً عُمياً فهم لا يفقهون.

هذا النجم الساطع عصيٌ على الموت، أطلق عليهم رصاص الحِبْر فأطلقوا عليه الرصاص الذي راح يعتذر من عينيه.

بدأ مشوار العُمر شاهراً قلمهُ سيفاً يُميط به اللّثام عن وجوه الحُكّام ويفتح باب الحقيقة على مصراعَيه وهو يعلم أنّهم سيغمضون عيونهم فلا تسترهم إلّا العتمة.

سرقوا زيتات القناديل
كيف بدو يضوّي هالليل

عربيٌّ، هذا الرائد؛ عروبته الحضاريّة تفتخر بلبنان وطناً نهائيًّا لجميع أبنائه، لأنّ الدِّين ليس وطناً. إنّه علاقة حبّ بين الأرض والسماء، يعيش الإنسان ويعود إلى ربّه نائماً على مخدّةٍ من تراب لبنان.

لم تكن فلسطين قضيّته المركزيّة فحسب، بل كانت وجعه المركزيّ، فدعا ناجي العلي ليكتب بالصورة قصائده على صفحات “السفير” لتقول لهم:

زمن البكي جايي ع كل البيوت
فتحي يا قدس بوابك قوليلو يفوت

علّمهم أنّ فلسطين ليست تجارة للشعارات القوميّة وليست قميص عثمان.

كم أقسموا بالدم المثار لو طرفت
عين على القدس في ساحاتها قُتلوا
وروعُ القدس أشلاء ممزّقة
فاسأل ولو خجل التاريخ: ما فعلوا

آمنت يا طلال أن هذا الشعب الفلسطيني الذي غلَبَ الموت بالموت شعب لا يموت.

بس تفرح الأرض
بتخلّي السما تغنّي
وبس تغلب الموت
بتزلغط لك الجنّة

يا طلال،
بس تعبر الموت بتصير الدني أوسع
كل ما انحنى القوس بيصير السهم أوجع
اللي نيّم الليل قلّو للصبح اطلع

وها نحن ما زلنا ننتظر الصباح و..

كان هو، يغمّ على مؤلّفاته الأدبية الرائعة لتبقى سماء الصحافة صافية زرقاء لكنّه لم يستطع أن يقف في وجه موهبته الأدبيّة فكان نبع الشفافيّة ينبجس من بين أصابعه لتكتب قصائد الحبّ الخالد التي تُعرّى من ثياب الأوزان وتسكن جسد الشِّعر روح الشُّعراء.

كلّ يوم يمرّ بعد اليوم سنُدرك كم نحن في غربةٍ من بعدك.

كان عرّاف الصحافة. علّمهم أنّها ليست خبراً عن حدث أو رأياً عابراً عن الآن، إنّما هي قراءة في كفّ المستقبل، وإضاءة للطّريق الذي يجب أن تسلكه الحياة لتصل إلى مبتغاها.

كنت الصحافة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس في لبنان ولأنّك أنت كنت – صوت الذين لا صوت لهم – كان كلّ ذلك الزمان اسمه طلال سلمان.

يا صديقي إنّ الذي يصبح قطباً مثلك يطوّب الزمن الآتي باسمه.

يا صديقي أمّا أنا وقد سكنتُ معك بالإسم أيضاً فقد غفل المعزّي عن مصابي.

أيّها الحبيب الحبيب، لأنّك كنت تضجّ بالحياة كنت أعتقد أنّك لا تموت.

(*) كلمة ألقاها الشاعر طلال حيدر في حفل تشييع الكاتب العربي الكبير وناشر “السفير” طلال سلمان في بلدة شمسطار.

Exit mobile version