طلال سلمان

عن ديموقراطيات عربية

من لبنان إلى الكويت التي أدت أزمتها السياسية إلى حل مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات جديدة بعد 38 يوماً، مروراً بفلسطين وانتهاءً بالعراق، من دون أن ننسى مصر، يتبدّى بوضوح أن فعل الانتخابات ليس هو الديموقراطية، وليس هو بذاته الحل الآلي والحاسم للأزمات الجدية التي تعيشها هذه المجتمعات وتهدد مؤسساتها حيناً وكياناتها السياسية في أحيان كثيرة.
الانتخابات إحدى ركائز الديموقراطية، حتى لا نقول من مظاهرها، ولكنها لا تكفي وحدها لتجسيد حكم الشعب بالشعب قاعدة للحياة العامة، أي لاستقرار المجتمعات ورسوخ حقوق المواطن في دولته.
ففي لبنان حيث انضاف إلى المناخ الطائفي السائد الغضب الشعبي العارم الذي نجم عن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والذي كان بين نتائجه الخروج الاضطراري (والمهين) لسوريا من لبنان، أفرزت الانتخابات مجلساً نيابياً مشروخاً بالحمى الطائفية (والمذهبية) بحيث عجزت الأكثرية فيه عن تولي الحكم فعلياً، وكادت تضيع قوتها التمثيلية تحت ضغط الداخل المفجوع و الخارج الحاضر لاستغلال الانقسام الشعبي بحيث صار اللجوء الدوري إلى مجلس الأمن والاستقواء بالقرارات الدولية هو التعبير عن تلك الديموقراطية المجهضة بالانتخابات.
واقع الأمر، الآن، أن في لبنان الآن سلطتين متعارضتين، والضحية المباشرة هي الشعب مرتين: أولاً لأن إرادته قد عطلت، وثانياً لأن الحكم فيه معطل بالتناقض الديموقراطي اللاغي للديموقراطية… والمهدد وجود الدولة!
أما في الكويت فقد حسم الأمير صباح الأحمد الصباح الانقسام داخل مجلس الأمة حول مساءلة الحكومة، بعدما قررت أكثريته تقديم مشروع لإعادة النظر في الدوائر الانتخابية وإنقاصها من 25 إلى خمس دوائر فقط، بأن حلّ المجلس ودعا إلى انتخابات جديدة يفترض أن تؤدي إلى أكثرية مختلفة.
لقد استخدم الأمير حقه الدستوري في حل المجلس، وبهذا يكون قد استكمل حسمه لأزمة الحكم التي عاشت الكويت تحت وطأتها بضع سنوات… لكن ذلك لا يحسم السؤال عن دور الديموقراطية كعلاج حقيقي لمشكلات مجتمع غني بثروته الطبيعية، وغني بتجربته السياسية خلال السنوات الأربعين الأخيرة، لكن مأزقه الديموقراطي ما زال قائماً.
في فلسطين أدت الديموقراطية بالأمر إلى قيام سلطتين (منتخبتين) تتخاصمان بينما الوطن يكاد يضيع، ولا ينفعه ادعاء كل طرف بأنه الأعظم تعبيراً عن الديموقراطية، لأن هذه النبتة العجيبة التي اسمها الديموقراطية تحتاج إلى أرض لكي تنمو فيها، وتحتاج إلى مناخ من الوحدة الوطنية والاتفاق القاطع على الثوابت بحيث لا تتحوّل إلى مدخل للفتنة والحرب الأهلية..
أما في العراق فإن الانتخابات التي جرت بالأمر الأميركي، ووفق دستور مفروض في ظل شرخ ضرب وحدة المجتمع وأعاده إلى مكوناته الأصلية (عناصر وطوائف ومذاهب وأكثريات داخل الأكثرية وأقليات داخل الأقليات)، لم تكن الطريق الأقصر إلى الديموقراطية التي لا يمكن اعتبار الحكومة الجديدة التي وُلدت بعملية قيصرية (وبالأمر الأميركي) وبمساومات طائفية ومذهبية جارحة، ثمرة للديموقراطية وبالتالي ضمانة لوحدة الشعب والأرض والكيان السياسي.
الطائفية لا تنجب ديموقراطية، وكذلك العشائرية، فكيف بالاحتلال الأجنبي.
وإذا كانت تجربة لبنان هي النموذج فإن الانتخابات النيابية، تلك التي جرت، أو تلك التي ستجري والتي يستعر الخلاف على موقع الطوائف في قانونها العتيد، لا يمكن أن تكون مدخلاً إلى الديموقراطية، بل لعلها تكون المخرج منها إلى الفيدراليات وأشكال أخرى من التقسيم الكفيلة بتدمير الكيانات السياسية القائمة.

Exit mobile version