طلال سلمان

عن خسائر ارباح في حرب تمديد

هل تمّت التضحية بالتمديد لرئيس الجمهورية نتيجة التسرّع والارتجال والخطأ في الحساب وفي التوقيت؟!
أم أن المناداة بالتعديل »المدني« كانت، منذ البداية، مناورة من أجل إلغاء احتمال التعديل »العسكري« وإخراج قائد الجيش من حلبة المعركة الرئاسية؟
هل كان رئيس الحكومة يعمل حقù لتمديد ولاية الياس الهراوي، أم أنه كان يعمل للمرشح الثالث الذي قد لا يعرف اسمه، لكنه يفترض أنه قد يمكَّن من معرفته قبل دقائق من إعلان النتيجة، فيبدو وكأنه قد عقد الرهان الصحيح؟!
وهل كان رئيس المجلس النيابي يرد، بهجومه المضاد، على المناورة بمثلها، مستهدفù كشف أوراق صديقيه اللدودين، وإثبات أهمية موقعه كمركز للدائرة والتأكيد أنه هو لا غيره المؤتمن على السر، وضمن السر إسم ذلك الرئيس العتيد، وسواء أكان الياس الهراوي نفسه أم العماد لحود أم الثالث المحظوظ؟!
لقد عمل رفيق الحريري بلا كلل أو ملل، وطوال شهور، من أجل التمديد للرئيس الياس الهراوي فانتهى به الأمر إلى أن يقنع بالتمديد لنفسه في رئاسة الحكومة، مع تحسين الشروط بإنقاص عدد المنغِّصين والمنغِّصات.
وسعى النواب، بقيادة نبيه بري، لاستنقاذ حقهم في ممارسة تلك المتعة التاريخية (ولو شكلاً): أن تضع في الصندوقة السحرية ورقة فيخرج منها رئيس للجمهورية، فانتهوا إلى »التعادل« مع الحكومة التي تثقل عليهم ويثقلون عليها، فمنعوا عنها الفوز لكنهم لم يربحوا »كأس البطولة«…
ممنوع الفوز بالضربة القاضية، وممنوع الخروج من الملعب، وممنوع التوقف عن الركض في اتجاه المرمى، ولو لم تكن ثمة طابة.
يمكن تعيين »الخصم«، ويمكن تبادل الأدوار بين »الخصم« و»الحليف«، ويمكن أيضù التغاضي مؤقتù عن بعض الضربات تحت الحزام، لتحتسب في اللحظة الأخيرة وتوظف في تبرير النتائج… المفاجئة.
لا ربح بالمطلق، لا خسارة تنتهي بإشهار الإفلاس. ولكل دوره في تحجيم الآخر، متوهمù أن تلك أقصر الطرق لتضخيم حجمه هو، لكن النتيجة الفعلية تظهر لاحقù حيث يكتشف الجميع أن أحدù منهم لم يكبر، وإن كان قد تأذى، وأن صاحب القرار لم يكن بحاجة إلى »تضحياتهم« تلك من أجل اتخاذ القرار، ولا حتى من أجل تبريره!
كيف يطالب بحقه في تسمية رئيس جمهورية، وفي هذه المرحلة بالذات، مَن يخاف من تمكين »جمهوره« من انتخاب رئيس بلدية في مدينته أو مختار في ضيعته الفقيرة؟!
وكيف يتنطّح من سعى طويلاً وصبر حتى ظفر بقيد اسمه على باب النادي السياسي، لمهمة خطيرة مثل »صناعة الرؤساء«، وهي امتياز لمن استحقه عبر تاريخ طويل من مقارعة القوى العظمى ومواجهة الأساطيل والصمود في وجه الغطرسة الإسرائيلية المعزّزة بتأييد دولي غير مسبوق؟!
السياسة لعبة الكبار فقط، أما الرئاسة فصناعة لا يتقنها إلا كبار القادة الذين اقتحموا التاريخ ونقشوا أسماءهم فوق عتبته.
ولأن اللاعبين من أركان النظام تناسوا أحجامهم وتجاوزوا حدودهم فها هو البلد مهدّد بأن يدفع الثمن نقدù وعينù: تفسخت »الدولة«، الهشة التكوين أصلاً، وانقسمت »مؤسساتها« الضعيفة البنية إلى جبهات متصارعة بغير قوانين أو ضوابط، فإذا الحكومة »تتحدى« المجلس، وإذا رئيس الجمهورية في مواجهة قائد جيشه، وإذا الادارة بلا رأس، خصوصù وقد تكشفت كاريكاتورية المناصب المفخمة الألقاب والمواكب.
إنها الحرب من أجل رئاسة في جمهورية تكاد تتلاشى وتندثر.
الكل في ثياب الميدان، والكل يخوضها بمنطق »إما قاتل وإما مقتول«،
لا قائد ولا قيادة، لا مرجع ولا مرجعية،
الأدهى أن لا جهة محايدة ومؤهلة للعب دور »الوسيط«،
فحروب »الحلفاء« لم تبقِ أحدù خارجها، ولم يسلم أحد بالتالي من نيرانها أو من شظاياها.
وحدهم »خصوم العهد« برمته ظلوا سالمين. صحيح أنهم لم يصبحوا أقوى، لاستحالة مادية، لكن مَن كان يواجههم حقيقة أو نفاقù بات الآن أضعف.
ووحدها دمشق مضطرة أن تتغاضى عن هؤلاء الذين يسحبون من رصيدها، في حين كان مبرّر تقديمهم وتكريمهم بالمناصب أن يحاولوا أن يضيفوا إلى رصيدها، أو الحفاظ عليه، وهذا أضعف الإيمان.
ودمشق أقوى الآن من أن يكون لها خصوم في لبنان.
لكن العديد من »حلفائها« يذهبون خلف أغراضهم أو أحقادهم بحيث يتحولون إلى أعباء مكلفة أكثر من أعتى الخصوم.
والخصومة مع دمشق أثقل من أن يتحملها أي طرف سياسي مع لبنان، لأنها تحمل شبهة للخط السياسي القائل بها،
لكن أولئك »الحلفاء« الضعفاء يضخِّمون حجم »الخصوم«، ويخترعون لهم في بعض الحالات أحجامù ليست لهم، فقط لكي يبرّروا وجودهم كخط دفاع أول، في حين أنهم في حالات كثيرة تحوّلوا إلى »ثغرات« أو إلى نقاط ضعف يسهل اختراقها، والبعض يقول إلى أحصنة طروادة.
الآن في بيروت يحصي كل طرف في »حرب التمديد« قيمة جائزة الترضية التي نالها، بعد إخفاقه في تمرير »مشروعه« الوهمي،
وليس عدلاً أن تتحمّل دمشق الخسائر، ثم التعويض على الذين تسبّبوا في وقوعها.
أما اللبنانيون فقد »احترفوا« الخسارة حتى الإدمان!

Exit mobile version