طلال سلمان

عن حسين العودات في ذكراه

مرت الذكرى السنوية الثانية لرحيل المفكر والكاتب والباحث حسين العودات والناس غارقون في احزان سوريا التي تغتال ألف مرة في اليوم، فلم يستذكره الا بعض اصدقاء الغربة.
وحده اسم قريته في حوران “ام الميادن” كان يعبر الشاشات بين الحين والآخر كشاهد على الدمار بل التدمير الممنهج الذي تتعرض له سوريا بأهلها وعمرانها ووحدة ارضها ودولتها المحاصرة بالعدوين الاسرائيلي والتركي، وقد اضيف اليهما الارهاب المنظم.
كان بين ما يحب ابو خلدون أن يتحدث عنه “بيته” في قريته الذي بناه على مراحل، وكان في كل سنة يضيف اليه ما يجمل واجهته او يغني مفروشاته او يزين حديقته الصغيرة.
في ماضي الزمان، كان ابو خلدون يقصد في أيام الاجازات الطويلة “بيت الضيعة” ليمضي فيه بعض الوقت، مستذكراً انه ابن فلاحين، وانه عمل وهو يافع كراعٍ للغنم فتعلم درساً لا ينساه: أن القطيع اذا غاب “المرياع” ـ او الكراز ـ لمرض او لعجز تفرق ايدي سبأ.. وهكذا كان عليه أن يختار كبشاً وجيهاً لينقل اليه جرس “المرياع” فاذا بالقطيع يتبعه بلا اعتراض.
شب حسين العودات بعثياً، ثم استيسر مع الموجة التي اخذت العديد من القوميين إلى اليسار.. وقرأ كثيراً، واجتهد فنال اجازة في العلوم السياسية، منافساً زوجته المُدرسّة التي نالت هي الاخرى اجازة في الادب الفرنسي..
ولقد ارتقى في وظيفته الحكومية، وعندما تم تعيين اللواء عبد الرحمن خليفاوي رئيساً للحكومة اختار حسين العودات مستشاراً ومدير لمكتبه الصحافي. وهناك اكتشف خبايا الصحافة اللبنانية، بما في ذلك “تسعيرة” الاخبار بالجملة والمفرق.. لكن خليفاوي ضاق ذرعاً بمنصب محاصر بقرار “الرئيس” فاستقال، ليأتي بعده من يبقي “ابا خلدون” مستشاراً في رئاسة الحكومة ..
وهكذا تسنى له أن يكون في غرفة العمليات في مبنى مجلس الوزراء ابان حرب تشرين المجيدة، التي اتخذها الرئيس الراحل حافظ الاسد مقراً لإدارة الحرب.
كان لدى حسين العودات لوثة الثقافة، فكان يلتهم الكتب الصعبة ليعرف أكثر، كما شارك في انشاء ما يشبه “النادي” للتلاقي مع الادباء والكتّاب والمثقفين عموماً… وهكذا اجتمع حوراني سوريا مع حوارنة فلسطين، الراحل عبد الله وابن عمه فيصل، ومع المبدع الذي انكرت عليه المملكة المذهبة جنسيته الا بشرط اعلان ولائه للأسرة الحاكمة، عبد الرحمن منيف، ومع الكاتب المسرحي المميز سعد الله ونوس ومع الكاتب مصطفى الحلاج، فضلاً عن ياسين الشكر وكثير غيره.
ولقد قرأ “ابو خلدون” كثيراً من آثار الادباء والفلاسفة العرب والفرنسيين، وترجمات للعديد من المبدعين بالإنكليزية، فضلاً عن الادب الكلاسيكي وتاريخ علم النفس. وفي سنواته الاخيرة نشأت صداقة وطيدة بينه وبين المفكر الاسلامي الدكتور محمد شحرور، وكان يجلس اليه الساعات الطويلة يناقشه في قراءة المختلفة وتفسيراته المميزة لبعض السور والآيات في القرآن الكريم.
على أن الحرب في سوريا وعليها قد أنهكت “ابا خلدون”، خصوصاً وانها شردت اسرته، فاستقرت ابنته الكبرى في سويسرا، بينما قصد ابنه الوحيد باسل (بعد وفاة شقيقه الاكبر خلدون) باريس.. اما ام خلدون فقد رابطت في دمشق انتظاراً لعودتها وعودة الغائبين اليها.

Exit mobile version