طلال سلمان

عن جولة باول وموقعة

لولا »الالتباسات« التي أثارتها الإشارة إلى »المراقبين الدوليين« لوقف إطلاق النار بين دولة إسرائيل العظمى وفتية الانتفاضة في فلسطين، والتي تمّ توضيحها وإعادة توضيحها بالإنكليزية والعبرية والعربية، لكان من الممكن نشر أخبار الزيارة (المفاجئة) التي قام بها وزير الخارجية الأميركية كولن باول إلى منطقتنا، وهي الثانية خلال ثلاثة شهور، في بعض الصفحات الداخلية، ومختصرة إلى الحد الأقصى وبما يتناسب مع انتفاء مبرراتها وتفاهة نتائجها.
من المستبعد، بداية، أن يكون جنرال الدبلوماسية الأميركية قد جاء خصيصاً لكي يتنعم بقيادة السيارة الجديدة للملك الأردني عبد الله الثاني، وهي من نوع »ب.أم.ف« سبور بعدما تنعّم في زيارته السابقة بقيادة سيارة »المرسيدس« ذات المواصفات الملكية التي أدهشته.
لكنه يكاد يكون في حكم المؤكد، أن المحطة الباريسية للوزير الأميركي حيث التقى ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز، قد شهدت أهم اللقاءات التي جاء من أجلها إلى منطقتنا.
فمعروف أن الأمير عبد الله كان قد »رفض« أو »اعتذر« عن عدم قبول دعوة من الإدارة الأميركية الجديدة لزيارة واشنطن، وقيل في تبرير الاعتذار ما له بعض الصلة بالانحياز الأميركي إلى إسرائيل وتبني منطق شارون، بعد مسح الدم عن يدي السفاح فيه.
ثم كان أن وزير العدل الأميركي تخطى الأصول الدبلوماسية وتجاوز حدود السيادة السعودية حين أعلن نتائج التحقيق الأميركي في تفجير القاعدة الأميركية في قاعدة »الخبر«، موجهاً التهمة إلى ثلاثة عشر سعودياً وإلى ثلاث دول هي إيران وسوريا ولبنان، متسبباً بإحراج جدي لأعرق الأصدقاء العرب وأسخاهم مع »امبراطور الكون«.
وبرغم أن هذا التجاوز لم يتسبّب في أزمة معلنة، بدليل أن الصفقات المجزية لم تتوقف، وآخرها صفقة السبعة عشر مليار دولار، إلا أن بعض الغيوم قد ظهرت في سماء العلاقات السعودية الأميركية، نتيجة الحرج داخل المملكة كما في مواجهة جنون القتل الإسرائيلي في فلسطين المحتلة.
على أن وقائع جولتي باول في المنطقة، في حدود ما هو معروف من نتائجها، لا تشهد له بكفاءة مميزة، كما لا تُظهره، بأي حال، صاحب قرار، أو أقله صاحب مبادرات.
وبعض العائدين من واشنطن يقولون إنهم سمعوا تحليلاً لافتاً للإدارة الأميركية الجديدة قدمه مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، زبنغيو بريجنسكي، قبل شهر تقريباً، في اجتماع حافل ضم مجموعة من رؤساء مجالس الإدارة في بعض الشركات الأميركية ذات المصالح المهمة في المنطقة العربية.
مفاد ذلك التحليل: أن الرئيس الأميركي جورج بوش، المعروف بقلة اطلاعه على الشؤون الدولية وبضعف ذاكرته، سيترك لباول أن يتصرف في السياسة الخارجية، فإذا ما راجعه لكي »يرشده« أحاله إلى وزير الدفاع (العجوز، كما يسميه) رامسفيلد، وهكذا ينتهي الأمر عند »معلم« رامسفيلد نائب الرئيس ديك تشيني.
بكلمة أخرى، حسب بريجنسكي، فإن السياسة الخارجية الأميركية ستكون في يد تشيني، وسيلعب رامسفيلد دور الوصي على الجنرال باول… ولأن رَجلي بوش الأب هما من أبطال »عاصفة الصحراء« وكانا في موقع القيادة، فوق باول، فإن مركز اهتمامهما في المنطقة، سيكون العراق، اليوم وغداً وكل يوم… إنهما أمام مهمة يريان أنها لم تكتمل، وسيسعيان لإنجازها، وهو لن يخالفهما الرأي بالتأكيد اليوم كما لم يخالفهما بالأمس.
بعيداً عن تحليل بريجنسكي، فإن ما يمكن تسجيله أن شارون قد فرض نفسه وسياسته على الإدارة الأميركية الجديدة فتجاوزت سجله الدموي واستقبلته مرتين خلال ستة شهور، من دون أن يغيّر حرفاً في طروحاته أو في نهجه الدموي، ومن دون أن يلوّح ولو من بعيد بالاستعداد للعودة إلى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين (فضلاً عن سوريا ولبنان).
أما العرب، فلعلهم قد ربحوا شهادة جديدة من جنرال الدبلوماسية الأميركية بكفاءة سيارتهم الملكية… الألمانية!.

Exit mobile version