طلال سلمان

عن ثورتي التغيير في الجزائر والسودان: نحو فجر عربي جديد… بالثورة؟

الخوف من التفاؤل الساذج يسابق الفرحة بهذه الانتفاضات الشعبية التي عادت تهز الارض تحت اقدام الدكتاتوريين الذين قمعوا شعوبهم طويلاً وحكموها بالحديد والنار.

لقد غيَّب الحكم الابدي، العسكري غالباً أو المسنود بالعسكر، الشعب العربي عن دائرة الفعل، وصار الجنرال الحاكم يجدد لنفسه او يمدد ما شاء له حظه او مزاجه او ظروف بلاده، في غياب او تغييب الشعب الذي يفترض أن يحاسب حكامه متى أخطأوا… ولكن من يحاسب من استولى على الحكم بالدبابة وفرض الأحكام العرفية فكمم الأفواه وقمع الصحافة ومختلف وسائل التعبير عن الرأي؟

وهكذا سقطت الفروق بين الرؤساء المنتخبين والملوك وامراء النفط والغاز فصاروا “زملاء” ورفاق عمر في الحكم، وبالتالي في الصلاحيات، وصارت الحكومات بوزرائها العديدين مجرد “بوش بزق” يعينها “الرئيس” و”يخلعها” الرئيس وفق رغباته ومصالحه والافضلية دائماً للأطوع والأسرع في تلبية الامر.. او الرغبة!

ولو أجرينا مسابقة بجوائز ثمينة حول أسماء رؤساء الحكومات والوزراء في مختلف الأقطار العربي لما عرف أكثر القراء متابعة الا اسم وزير الخارجية، ربما، لأنه الثابت ـ غالباً ـ بين متغيرين باستمرار، وبلا أسماء، عادة.

في الثورات غالبا ما يشع اسم “القائد” فيحجب من معه الا “الشركاء” في الإعداد للثورة وتنفيذها، ثم تتهافت مواقعهم الممتازة امام الرئيس ـ القائد الذي غالباً ما يفوض بالقرارات المصيرية اختصاراً للوقت وتخلصاً من البيروقراطية.

نموذج الجزائر والجيش..

على اننا اليوم امام نموذجين لحالة ثورية فريدة في بابها:

ففي الجزائر، بداية، ثم في السودان، تحركت الجماهير بالسخط على قيادة الدولة عبر الحزب الواحد الذي لا يعني، في الأغلب والأعم، الا شخص “الرئيس ـ الملك”… أما الآخرون فمساعدون الأهم من بينهم هو من يسمك بقيادة الجيش او المخابرات . فأما المدنيون (رئيس الحكومة واعضاؤها) فبلا أسماء، ومناصبهم هي الاصل و”العائلة”.

علماً أن “جبهة التحرير الوطني الجزائرية” التي قادت النضال لتحرير الجزائر من الاحتلال الاستيطاني الفرنسي الذي استطال لأكثر من مائة وخمسين سنة، قد ضمت في اطارها الثوري احزاباً وتجمعات سياسية واجتماعية وجهوية وحدتها الثورة ثم التضحيات الغالية التي تجاوزت المليون شهيد…

لكن الحكم والصراع على مواقع التأثير سرعان ما شرخ هذه الجبهات، فقام ابرز القادة العسكريين لجيش التحرير الوطني الجزائري، العميد هواري بومدين بانقلاب عسكري أطاح الرئيس الشرعي الاول وأحد القادة الخمسة للجبهة الذين اختطفتهم الطائرات الحربية الفرنسية وألقت بهم في احد السجون الفرنسية لمدة خمس سنوات او يزيد، ثم لم تفرج عنهم الا قبيل نهاية التفاوض على جلاء قوات الاستعمار الفرنسي وولادة “الجمهورية الجزائرية الديمقراطية ـ الشعبية”.

ولقد حكم بومدين الجزائر لمدة 12 سنة، في حين كان الرئيس المنتخب احمد بن بله في السجن، حيث سمح له بأن يتزوج (زهرة)، وبأن يتبنى ابنتين احداهما جزائرية والثانية أفريقية الوالدين.

وبعد فترة انتقالية اختير للرئاسة خلالها أحد قادة الثورة، عاد الضباط إلى موقع الرئيس لحكم الشاذلي بن جديد، وعسكريين آخرين من جماعة بومدين، ثم توافقوا على عبد العزيز بوتفليقة رئيساً. وبرغم اصابته بشلل نصفي فقد أصّر بوتفليقة على تجديد ولايته مرة وثانية، وعند اظهار رغبته بولاية خامسة تحركت جماهير الشعب الجزائري الغاضب، والذي كان يعاني من الاضطهاد والفقر وافتقاد فرص العمل في البلاد الغنية بالنفط والغاز.

لم يكن أمام الشعب غير أن ينزل إلى الشارع فيرابط فيه محاولاً استرداد حقه بالقرار.. وهكذا تم “قبول استقالة” بوتفليقة، ليتولى رئيس المجلس العسكري الرئاسة مؤقتاً… لكن هذا المؤقت ما زال مستمراً منذ سبعة شهور وحتى اليوم: لا الشعب تعب واستكان، ولا الجيش سلم بالأمر الواقع وعاد إلى ثكناته.


..ولعل تجربة السودان وصمود شعبه في الشارع لأكثر من اربعة اشهر برغم محاولات فض تظاهراته السلمية وسقوط قتلى وجرحى برصاص العسكر في بعض المواجهات، فمن المؤكد أن فجراً جديداً لهذا الشعب الطيب في بلاد الخير ذات النهرين، قد أطل مبشراً بغدٍ أفضل..

لنتجاوز ليبيا التي دمرتها المغامرات العسكرية والمناورات الدولية، فمزقت جنباتها الفسيحة وأقامت فيها “دولا” شتى، عسكرية، و”مدنية” لكل منها من يدعمها بين دول الخارج، عربياً وتركياً(!!) وأميركيا(!!) وفرنسياً(!!) ربما بسبب ثروتها النفطية، وربما بسبب موقعها الاستراتيجي، على كتف مصر، ممتدة على ساحل المتوسط ومنداحة عمقاً حتى قلب افريقيا، عبر تشاد والمهاجرين الأفارقة، محاذية لتونس والجزائر وشريكة لها في ابتداع البوليزاريو وجمهورية الصحراء..

… وها هي تونس الذي اعطى مواطنها الفقير محمد البوعزيزي اشارة الانطلاق للانتفاضة المجيدة فيها، في 17 كانون الاول (ديسمبر) 2010، التي اسقطت حكم الجنرال بن علي وزوجته الراقصة ناهبة الجواهر واللآلئ، فانتهى لاجئا سياسياً في السعودية، وأعادت الحكم إلى المدنيين عبر الهيئات الدستورية، يخوض شعبها اليوم تجربته الرائعة في الحرص على سلمية تحركه والعودة إلى الحكم الديمقراطي البرلماني وسط منافسة محتدمة على منصب رئيس الجمهورية بين القوى السياسية والحزبية المختلفة الا على سلمية الحركة.

ونتذكر جميعاً أن انتفاضة تونس قد حركت الركود الشعبي في مصر، فاندفع الشعب المصري إلى ميدان التحرير، واعتصم فيه اياماً طويلة، منادياً بإسقاط النظام … ولقد استجاب الرئيس حسني مبارك للغضبة الشعبية فلم يواجهها بعنف العسكر، بل انه بعد ـ ثلاثين يوماً من الانتفاضة ـ اعلن استقالته من منصبه كرئيس للجمهورية… وجيء بحكم انتقالي برئيس من القضاة النزيهين، ثم كانت انتخابات رئاسية فاز فيها الراحل محمود مرسي، الذي لم يلبث أن خلعه الجيش، ليأتي بالمشير عبد الفتاح السيسي رئيساً للدولة، وهو قد امضى حتى الآن ولاية اولى وباشر الولاية الثانية، منصرفاً إلى البناء في الداخل، مندفعاً إلى توطيد العلاقات الاقتصادية مع العدو الاسرائيلي لا سيما في مجالات الكهرباء والبترول والغاز، متمتعاً بثقة الولايات المتحدة الاميركية والغرب عموماً، متخففاً من اعباء الدولار العربي التقليدي لمصر، وان حرص على ابقاء شعرة معاوية مع سوريا، ولحية معاوية مع السعودية وامارات الخليج، ما عدا قطر التي ما تزال تصر على “استضافة” قيادات الاخوان المسلمين وتعزيز العلاقات مع العدو الاسرائيلي ونفخ صدرها بالغاز لتلعب دور الدولة العظمى مستندة إلى تركيا والولايات المتحدة الاميركية.


إن افريقيا العربية هي مصدر الأمل في غدٍ عربي افضل بعنوان السودان اساساً، ومعه الجزائر..

وفي حين تغرق السعودية ودولة الامارات في دماء شعب اليمن، شمالاً وجنوباً، وتدمير اول معالم للحضارة العربية في مملكة سبأ التاريخية، تتهاوى الوساطات الدولية والعربية امام الإصرار على هذه الحرب الظالمة والتي لا يمكن أن تنتهي بنصر لقوى الخارج، وان كان عربياً…

وتجربة مصر عبد الناصر وجيشه في اليمن حاضرة وناطقة، وهي قد كلفت عبد الناصر ومصر ـ وسوريا ضمنا ـ والعرب اجمعين، الهزيمة المدوية امام اسرائيل في حرب الخامس من حزيران / يونيه 1967.

فالجيوش التي تقاتل خارج ارضها يصعب عليها أن تنتصر على إرادة الشعب المغلوب، إلى حين، والذي سوف يعود إلى مواجهة “قوى الاحتلال” بصيغة او بأخرى، لا سيما اذا كانت “شقيقة” يجمع بعضها إلى بعض النسب وصلات القربى.. وبالنسبة إلى اليمنيين فانهم يعرفون كل شبر من اراضي السعودية والامارات، خصوصاً وانهم عملوا لدى “اشقائهم” فيهما لسنوات طويلة، وخدموا في شرطتهم وفي جيوشهم… فضلاً عن انهم اعرف بأرضهم من أي انسان اخر.

قديما قيل: تفاءلوا بالخير تجدوه..

ولسنا نملك الا الأمل.. ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل!.

Exit mobile version