طلال سلمان

عن المصالحة العتيدة بين العرب وايران.. محاولة جدية لاستنقاذ المسلمين جميعاً

…وأخيراً فتح الباب للمصالحة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية في إيران، وبوساطة عراقية.

ومع أن اسباب الخلاف الذي شجر بين الدولتين اللتين ترفع الشعار الاسلامي ظلت غامضة إلى حد كبير، لا سيما بعد مأساة الحجاج الذين اودى بهم التدافع وهم يؤدون مناسك الحج في ايلول (سبتمبر) العام 2015، الا أن ذلك الخلاف قد اتخذ ابعاداً درامية تتجاوز السياسة إلى مخاطر الفتنة بين المسلمين، سنة وشيعة.. وهي لو تفجرت لكانت مأساة كونية جديدة ستلحق اضرارها بكل مسلم في مشارق الارض ومغاربها.

ويفترض أن تدعم جهود الوساطة هذه مختلف الدول العربية، خصوصاً وأنها تخدم العرب والمسلمين جميعاً، فضلاً عما فيها من فوائد للطرفين المعنيين: السعودية وايران.

ذلك أن مشروع الفتنة بين السنة والشيعة قائم منذ الزمن الاستعماري الطويل، الذي اعتمد سياسة “فرق تسد”، على مختلف المستويات، لقسمة الشعب الواحد إلى فرق متنابذة وقوى متخاصمة.. خصوصاً وقد نجح في اعادة نشر الفتنة بين العرب، سواء بتقسيمهم إلى حضر وبدو، او بضرب وحدتهم الوطنية التي كانت حصن قوتهم في مواجهته، عن طريق تقريب البعض وخصه بغنائم الحكم، واستبعاد البعض الآخر، ولو كان اكثرية وحرمانه من نعيم السلطة بذريعة انه اقلية.. حتى لو كان الاكثرية كما في نموذج العراق.

ومعروفة هي “المعارك” التي خيضت تحت الشعار المذهبي والتي ادت إلى تهديم كيانات الدول التي اقيمت على قواعد مهزوزة لا تراعي وحدة الشعب بل تعمل على تقسيمه إلى طوائف ومذاهب مصطرعة على السلطة التي كانت دائماً في أيدي المستعمر، ثم اوكلها إلى عملائه المعروفين لكي يثبت دعائم الفتنة، فتأكل نيرانها الاستقلال والدولة الوليدة بطوائفها جميعاً.

واذا كانت مصر ودول المغرب العربي عامة لم تعرف مثل هذا الصراع الطائفي، فذلك لان فيها جميعاً يسود مذهب غالب سني في اعرافه شيعي في تقاليده، لا سيما تلك التي تخص كرامة اهل البيت فتجعلها رابطة مقدسة بين الشوافع والمالكيين من جهة والشيعة من جهة أخرى، والذين كانوا يعتبرون في بلاد الشام من “الروافض”، بكل الآثار المدمرة على وحدة المسلمين، ومن ثم على وحدة الشعوب في المشرق العربي، خصوصاً في سوريا والعراق واقطار الجزيرة العربية وخليجها المطل على ايران بضفته الشمالية..

من هنا تكتسب هذه “المصالحة” بين المملكة العربية السعودية (بمذهبها الوهابي المغلق) وإيران الثورة الاسلامية بشيعيتها المتطرفة التي تجعل من رأس الدولة فيها “الولي الفقيه” تشديداً على المذهب الشيعي بأكثر مما كان يعتمد الشيعة العرب..

ذلك أن الخلاف بين السعودية وإيران كان لا بد أن يسعر نيران التعصب المذهبي فيخرجه من الإطار السياسي إلى حافة الفتنة بين المسلمين، معيداً إلى الاذهان صفحات سوداء من التاريخ الاسلامي والصراع على احقية الخلافة ولمن تكون وصحة اسلام هذا الطرف او ذاك، ولو تم ذلك بتكفير كل طرف للطرف الآخر.

المهم أن “المصالحة” بين هاتين الدولتين، بموقعيهما الحاكم مذهبيا وسياسياً، ثم بمصالحهما المشتركة كدولتين نفطيتين تشكلان مع العراق مركز الثقل في الانتاج النفطي، دوليا (خارج الولايات المتحدة).

كذلك فان الدولتين تشكلان، من موقعيهما المذهبيين، ارض لقاء عريض بين الشيعة والسنة بوسعه أن يخفف من غلواء التعصب، وان يعيد ـ بالتالي ـ تحديد التقاطع في المصالح بين هاتين الدولتين، ومعهما دول الخليج العربي عموماً..

ومن شأن، هذه المصالحة، أن هي قيض لها أن تتم في جو صحي، أن توقف حرب الابادة التي يتعرض لها شعب اليمن حيث تقتل الكوليرا من لم تقتله حرب الاشقاء التي تورط فيها السعوديون ومعهم الاماراتيون من دون سبب واضح يمكن أن يقبله العقل او يقره الدين او تسلم به وحدة الانتماء إلى العروبة.

كذلك فان من شأن هذه المصالحة، إن هي تمت في جو صحي، أن تقرب نهاية الحرب في سوريا وعليها، التي كانت واحدة من اكثر الجبهات اشتعالاً بنار الخصومة السعودية ـ الايرانية، وهي الحرب التي كادت تذهب بسوريا، كدولة عربية ذات دور تاريخي غير منكور في الصراع العربي الاسرائيلي، بوصفها “قلب العروبة النابض” كما تعرف نفسها وكما يعرفها اهلها العرب..

إن هذه المصالحة، إن هي تمت على قواعد سليمة تأخذ بالاعتبار مصالح الطرفين العربي والايراني، ستكون حدثاً تاريخياً له ما بعده على مستوى منطقتنا بدولها جميعاً، كما بتأثيرها على المستوى الدولي شرقاً وغرباً.

أن المنطقة جميعاً تعيش حروباً ظالمة لأهلها، وتجتاحها عصابات القتل وتشريد اهلها، كما فعلت عصابات ما يسمى زوراً دولة الخلافة الاسلامية في العراق والشام “المعروفة” باسم الدلع “داعش”.

ثم أن “القاعدة” قد افرخت فصائل مقاتلة عدة في بلاد الشام، تمارس القتل خائضة غمار التنافس الدموي مع داعش..

ولقد وصل خطر هذه العصابات رافعة الشعار الاسلامي زوراً إلى الاقطار العربية جميعاً: مصر التي تشهد يومياً عمليات قتل منظم يستهدف الوحدة الوطنية التي كانت دائماً اخطر اسباب قوة مصر، كما يستهدف قوات الجيش والشرطة في مختلف انحاء ارض النيل..

كذلك فان هذه العصابات قد سعرت الصراع في سوريا، واجتهدت في أن تعطيه بعداً مذهبيا، لضرب الوحدة الوطنية فيها، وهي هي مركز القوة ومصدرها في هذه الدولة التي كانت رائدة في النضال من اجل الوحدة العربية، وقد حققتها تحت لواء الرئيس جمال عبد الناصر ليكون أخطر انجاز قومي في العصر الحديث.

ولقد نال لبنان نصيبه من الضحايا في التفجيرات التي نفذتها عصابات “داعش” و”النصرة” فيه، والتي استهدفت المدنيين في مراكز التجمع، باحات المساجد والمقاهي والمحلات التجارية، بذريعة مكافحة “حزب الله” الذي لا ينكر المكابرون دوره في تحرير لبنان وطرد الاحتلال الاسرائيلي من ارضه حتى آخر حبة تراب في العام الفين.. ثم توليه صد الحرب الاسرائيلية وإلحاق الهزيمة “بالجيش الذي لا يقهر” في مثل هذه الايام من العام 2006.

*****

لقد آن الآوان لإطفاء حريق الفتنة التي تهدد المنطقة جميعاً، بالعرب فيها والايرانيين، وتمكن للعدو الاسرائيلي في فلسطين الذي لا يجد شعبها المقاوم ـ برجاله ونسائه وصباياه وفتيته الاغرار وشيوخه ـ ما يعينه على مواجهة عدو الامة جميعاً، بالمسلمين فيها ـ سنة وشيعة ـ والنصارى وطوائف الاقليات، خصوصاً في بلاد الشام، بالعراق منها وسوريا انتهاء بلبنان.

ولا شك أن مصر، بثقلها البشري ووزنها السياسي، وتعرضها اليومي لخطر الارهاب رافع الشعار المزور للإسلام السياسي، تستطيع أن تلعب دوراً اساسياً في هذه المصالحة التاريخية بين الشيعة والسنة، وهي المعروفة بتراثها الشيعي الذي لم يتأثر بتحول الحكم من الفاطميين إلى المماليك، وهي ما تزال تحتل مكانها المرموق في وجدان العرب، مسلمين ـ سنة وشيعة ـ ومسيحين من مختلف الطوائف..

أن انهاء هذه الحرب العبثية بين العرب والايرانيين هو في مصلحة المسلمين عموماً، وفي مصلحة قضية فلسطين بشكل خاص..

لقد اغرقتنا انظمتنا في بحار من دمائنا… فعساها تخفف علينا وتتفادى حروباً عبثية أخرى، وهذه المرة مع جار قوي ومهم، سيبقى جارنا ابد التاريخ، وكلما ازددنا تطرفاً في حربه ازداد تطرفاً، وتكون النتيجة الحاق اضرار فادحة بالعرب والايرانيين وقبلهم جميعاً بالدين الحنيف: الاسلام..

وعسى يكون كلامنا خفيفاً على تجار الفتنة والمستفيدين منها.!

تنشر بالتزامن مع جريدة الشروق

Exit mobile version