طلال سلمان

المرأة العربية لحما متلفزا او ملغوما

مصادفة تلاقينا في بعض انحاء الخليج العربي. كانوا مجموعة من أبناء الجزيرة والخليج، معظمهم من السعوديين، وبعض اللبنانيين، يحترفون الكتابة وإطلاق الآراء او تبنيها او تسفيهها لإثبات الاهلية الثقافية.
دار الحديث، بداية، عن لبنان وهمومه الكثير، ثم استقر عند محطاته التلفزيونية التي باتت برامجها المثيرة بمذيعاتها الجميلة والنساء شبه العاريات فيها، مدار سهراتهم بفضل البث الفضائي..
قال أولهم، وهو يمني: هذا كثير، يا أخي، اتقوا الله فينا!
وقال القطري: كيف لا تراقب برامج هذه المحطات؟! اننا نمنعها عن أبنائنا وبناتنا.. وقد نتسلل، آخر الليل، فنتفرّج عليها في الخفاء. انها تعرض ما لا يقبله عقل او يقره خلق!
وقال واحد من السعوديين: أهكذا أنتم في لبنان، حقيقة؟! هل تذهب نساؤكم وبناتكم الى المطاعم أشباه عاريات؟! وهل تقوم الواحدة منهن الى الرقص في حلبة محاطة بالعيون الشرهة لرجال لا تعرف منهم أحداً وليسوا من »المحارم«؟!
قال سعودي آخر: لماذا تريدون ان تفسدوا علينا إحدى المتع القليلة التي أتاحها التلفزيون اللبناني؟! ألا يكفي أننا لا نستطيع رؤية النساء في أقطارنا الا داخل تلك الشوالات السوداء؟!
على غير عادة تحول الحديث الى وضع المرأة في المجتمع العربي، ولا سيما المشرقيات وبالذات المرأة في الجزيرة والخليج.
قال الأول: ان المجتمع العربي يعاني من شلل نصفي. انه يمشي على قدم واحدة!
قال الثاني: بل ان المجتمع العربي يعاني من شلل كلي.. فالمرأة مغيبة تماما عن الحياة العامة، والرجال مشغولون ومعطلون ومستهلكون في شؤونهم الخاصة التي تتلخص بافتقارهم الى التوازن في غياب المرأة.
قالت كاتبة متميزة: تحجرون عليها ثم تتلصصون من ثقب الباب!
تطور الحديث الى ما يشبه جلسة اعتراف.. قال واحد من الرجال:
اننا منافقون. نلقي على المرأة عبء الحفاظ على الشرف، ثم ننطلق نحن في أرجاء الأرض لا نفعل الا التفريط بالشرف!
احتد رجل آخر فقال مستنكرا:
مهما فعلنا يبقى الشرف مصانا. هي المشكلة. شرفنا عندها لا عندنا. وهي مصدر الخوف والقلق، مصدر الشر وسبب الجريمة!
سانده رجل آخر فقال: هي حافظة الشرف والفضيلة، ولكنها لعجزها ولنقص في عقلها لا يمكن ان تؤتمن لا على نفسها ولا على كرامة العائلة!
عارض أكبرنا سنا، قال: اتقوا الله في بيوتكم! لكم جريتم وراء شبح امرأة تحاولون غوايتها بكل الأساليب، ليس بيننا بريء!
عادت الكاتبة تعلق بمرارة: تطاردونها شهورا، ترمون في طريقها الوعود اكواما، تفرشون دنياها بالاحلام الوردية، فإذا اعتبرتكم رجالا وصدقتكم خنتم الامانة وعبثتم بها ثم ادنتموها بالتفريط بشرفكم، يا أصحاب الشرف!!
قال احدهم معتذرا: وكيف تكون لي علاقة سوية بالمرأة وأنا لا اعرف عنها شيئا! لولا وجود أمي في البيت لما عرفت كيف تكون ملامحها! حتى أخواتي لا يظهرن علي الا محتشمات فلا أكاد أميز الا وجوههن والعيون!
قال الثاني بلهجة الاعتذار نفسها: إننا نعيش في مدن الجنس الواحد. لا نعرف الا الرجال. لا نعاشر الا الرجال. في الشارع رجال فقط، في المكاتب لا وجود الا للرجال، في المخازن والمحلات قد نلمح عيونا وسط ليل العباءات التي تغطي الجسد حتى الكاحل، فاذا ما لمحنا أصابع القدمين تهيجنا وجاءنا شيطان الشعر فنظمنا القصائد! اما ان سمعنا الصوت، ولو بالمصادفة، فاننا نبقى يومين بلا نوم. كيف ستنشأ علاقة صحية بيننا وبين نساء لا نعرف كيف هنّ، وهل يتنفسن مثلنا؟ هل يأكلن وينمن ويمرضن أم أنهن صنف غير البشر؟!
قال ثالث: لذلك تنشأ علاقات مشبوهة ومرضية. ان الانسان بحاجة الى الجنس كحاجته الى الطعام والماء، فان لم يعرف الطريق الصحيح، وان لم تتح له علاقة سليمة، انحرف الى الخطأ… وليس سرا ان الشذوذ الجنسي منتشر في مجتمعاتنا، سواء بين الرجال، او حتى بين النساء..
استفز بعض الخليجيين فهبّوا مستنكرين: معاذ الله؟! وأين يقع ذلك الشذوذ؟!
خرج الرجل عن طوره فانطلق يروي حكايات قال انه شاهد على بعضها، وكاد يسمي أبطالها، لولا انهم داروه بأن اعترفوا مكرهين بأن الشذوذ الجنسي واسع الانتشار في العديد من أقطار الجزيرة والخليج.
قالت الكاتبة الرصينة او انتم من سيُذهِب اسرائيل يا أشباه الرجال وما أنتم برجال؟!
عاد »حكيم الجلسة« الى أساس الموضوع، فقال:
بغض النظر عن الواقع البائس الذي تعيشه مجتمعاتنا فان البرامج المفرطة في تصدير اللحم الابيض لا تساهم كثيرا لا في تحرير المرأة ولا في الارتقاء بمستوى الوعي الرجالي.
… واتفقنا على استئناف البحث بعد حين، خصوصا واننا شغلنا جميعا بمتابعة سيقان بعض مضيفات المؤتمر… المستوردات!!

 

حكاية الطاووس والبجعات الثلاث..

أسكره الغرور فانتشى، وأفردت رجولته أجنحتها على المكان فكاد يطير بمن فيه.
أي سكر يمكن ان يذهب بعقله اكثر من اجتماع ثلاث نساء عليه، في غرفة واحدة، يدللنه ويمتدحن ذكاءه وقدراته، وتسابق كل منهن الاخرى في إعداد الكأس او تقشير الفستق او التغزل بجمال صوته او بإشراقة عينيه؟!
ضاق به المقعد، فانتقل الى الكنبة، فإذا إحداهن تقتعد مسندها والأخرى ترمي نفسها عليه بينما الثالثة تهدد بأن تتخذ من حضنه مقعدا.
قالت أجملهن: ما رأيك بهذا الكمين؟ أوهمناك ان المدعوين كثر، والآن اكتمل نصابنا، فأين المفر؟!
هم بان يرد، لكن أصغرهن سناً وتجربة سبقته فقالت: انما جئت لكي لا أترك هاتين المتوحشتين تفترسانك، أو ربما تعبثان بك!
فكر في نفسه: عبث الثلاثة أمتع!
قالت صاحبة المنزل بخبث ظاهر: بل تواطأنا لكي نسقط مقولة ان رجلا واحدا يكفي اربعا من النساء. في تقديرنا ان العكس هو الصحيح.. أليس كذلك يا حريم؟!
تضاحكن بينما هو يحاول ان يوفر لنفسه المخرج اللائق: لا بأس، فلنلعب!
جال ببصره بينهن يحاول ان يقرأ في العيون نقاط الضعف ونقاط القوة وأن يتبين إن كان لدى إحداهن استعدادا لنجدته متى احتدم الصراع.
استطلق صمته، فقالت الصغرى: متى صار لي رجل فلن يكون إلا لي.
ردت الأجمل على التحدي فورا: لنبدأ اللعبة. هذا رجل فجربي ان تأخذيه او ان تأخذي منه ما نطلبه فيه!
ردت الصغرى بشيء من التعالي: السهرة طويلة..
اطمأن الى الانقسام، فسمع غروره ينطق بصوته فيقول: هل ترانا نلجأ الى القرعة؟! هل تقترعن عليّ أم أقترع عليكن؟!
أعجبهن الاقتراح. هبت الاولى الى ورق وقلم فكتبت الاسماء وطوت الوريقات على السر فيها. جاءت الثانية بسلة صغيرة ألقت فيها الوريقات، وحملت الثالثة إليه السلة لكي يسحب.. إسم الفائزة به!
خشي ان ينقلب عليه السحر، لكن هاتفاً همس له من داخله أن الإسم واحد في الوريقات جميعا. قال وهو يرفع كأسه: لنشرب نخب التي اختارت نفسها من قبل ان يختارها الحظ!
احتجت »الكاتبة«، فأتلفت الأوراق من قبل ان تمتد اليها يد،
احتدم العراك خارجه، فقام الى الشرفة يطلب هواء لرئتيه. جاءه الصوت من خلفه نديا في اعتذاره: لست طرفا في هذه المؤامرة. انما جئت لأراك.
قال من دون ان يلتفت: ليس ثمة ما تعتذرن عنه. لقد جئت الى الكمين بقدمي. هيا نكمل اللعبة!
جاءت »السيدتان«، وانتظم المجلس من حول الطاولة على الشرفة.
تصادمت السيقان والأرجل، وأطفأ طلب النشوة النور، وثقُل الهواء، واحتل مساحة الصمت صوت الموج وهو يندفع ليتلاشى متكسراً على الصخور التي تقوم على حراسة البحر.
تساءلت الصغرى: من يعرف ماذا يقول البحر للشاطئ؟ أظن أنه يشكو من ان اللقاء هو الفراق!
أعجبه ذكاءها وقرر أنها صادقة فليحالفها إذن طلبا للتعادل.
قال وهو ينظر في عينيها عبر الظلمة الشاحبة: لكن اللقاء يتجدد دائما، لا يكاد ينقطع حتى يتواصل من جديد.
قالت الأجمل بضيق ملحوظ: لا أعرف الكثير عن البحر والرمل. لكنني أعرف ما يكفي عن الطواويس. لطالما أحببت شكل الطاووس، بل ذيله فحسب، ثم فجعني بصوته وبتباهيه بما لا فضل له فيه. في كل رجل طاووس يتربص بالنساء…
قال بلهجة حاول ان تكون طبيعية: هل نحن من يزركش وجهه بالأحمر والأزرق والأخضر والأسود؟! هل نحن من يرتدي قناعا يمتد من قمة الرأس الى ما دون أخمص القدم؟! لو نزع عن كل امرأة المستعار فيها لما عرفت نفسها.
قالت صاحبة البيت: لولاكم لما لجأنا الى المستعار. أنتم من يرغب فيها ويسعى خلفها ويدفع ثمنها، ويتباهى بامرأته او ربما بابنته وهي ترزح تحت المستعار او وراءه. لولاكم لكنا طبيعيات تماما. لكن الملل في طبعكم. أنكم تجبروننا على تزييف انفسنا لخشيتنا من طباعكم المتقلبة!
قالت الصغرى هامسة، كأنما تخاطب نفسها: المزيف يطلب المزيف والطبيعي ينجذب الى الطبيعي! لولا المستعار لكنا ثلاث بجعات!
قال محاولا تغيير الموضوع: لو أنني الطالب لاختلف الوضع تماما..
قالت الأجمل: كلكم ذلك الرجل. كلكم المطلوب لا الطالب، المعشوق لا العاشق، المهجور لا الهاجر، قليلا من التواضع ولا تتصرف وكأننا فعلاً من حريمك!
انتفض بحدة: بل أنا المحترق عشقاً، ولست أرغب ابداً في دور المعشوق.. أنا من يختار ولست جائزة يانصيب او جائزة ترضية لمن خاب حبها فغرقت في جب الأحقاد.
غمزت التي علمتهن السحر، فقمن واجتمعن من حوله، وقلن بلسان المضيفة: تفضل يا هارون الرشيد، فانطق بخيارك.
تفصد عرقاً وهو يواجه المأزق الذي دهمه في ليلة سعده: لا إرهاب في الحب!
قالت الأجمل: بل الحب إرهاب كله! ينعزل المحبون خوفاً من الناس. يتهامس المحبون خشية ان يسمع الناس، وقد ينكر المحبون حبهم ليحموه من الناس. فأما ان الناس يرهبون الحب، او ان الحب يرهبهم.. كله إرهاب في إرهاب!
أشفقت عليه صاحبة الدار فقالت: يتسع بيتي للارهاب كله!
قال متوغلا في الدغل الذي لا تبدو له نهاية: الليل والبحر والقمر والخمر والجمال.. كل هذا يستدر الشعر لا أحاديث الارهابيين. أين أم كلثوم؟! أين الست؟!
قالت الاجمل: عليك الآن ان تختار بين »أنت الحب« و»أنت عمري« و»أنا في انتظارك«..
قال بسرعة: بل أختار »رق الحبيب« او »حبيبي يسعد أوقاته«.
قالت الصغرى لكي تعود الى الدائرة: ألن نتعشى؟!
وردت عليها صاحبة الدار بطلقات سريعة: أما زالت بكِ رغبة في الطعام؟!
تقدم الليل حتى غاص في البحر. الجميع على الشرفة يسمع كل الأغنية بصوت »الغائب«. الشرفة مزدحمة، والغرفة خالية إلا من مقاعدها والكنبة العريضة والكؤوس الفارغة والشهوة المسفوحة.
عزت عليه رجولته، فقام يودعهن، مع صمت المسجل: كما جئنا نعود. لكل طريقه. لكنني أود أن أدلي باعتراف… يشرفني ان أعلن انني قد خسرت. شكرا. لقد تعلمت ان النساء امرأة واحدة.
قالت أجملهن: أنفترق بلا موعد؟
قال وهو يلتقط غمزة الصغرى: بل إنّ موعدنا قريب، قريب. سأهتف به!
في الخارج، كان رذاذ البحر قد تجمع فوق زجاج السيارة، فتشاغل بمسحه ريثما يستعيد هدوءه ليستوثق أنه قد نجا بجلده من الكمين الجميل.

 

تهويمات

} أجمل الغزل قاله الذين لم يقربوا امرأة قط!
وحين تعرّت النساء بَطُلَ الشعر، وتركوا مهمتهم للمصورين!
} كانت الاحلام قد غادرته منذ زمن بعيد.
امس التقيته فلم يرني. وكانت صورتك تملأ عينيه، فعرفت أنه قد استعاد قدرته على الحلم. لقد عاد الى الحياة.
} قالت تنصح صديقاتها القليلات الخبرة: من تحب جسدها فلتستنفده حتى الثمالة. لماذا أهدر جمالي على أبواب الرجال فأترك لهم ان يستمتعوا به من دوني!؟ أهو حق لأي منهم او لمجموعهم من دوني؟! إنني أريد حقي من الاستمتاع، وهكذا حولته الى مصيدة للرجال.. أمتع نفسي بهم، عبر استمتاعي بجسدي، ويستغربون! يريدون مني شهادة برجولتهم، فلانتزع منهم قبلا شهادة بأنوثتي! يريدونني امرأة ويمنعونني ان أكون امرأة، فأين العدل… أنا رجولتهم، ومن دوني لا يكونون!

 

من أقوال »نسمة«

قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة الا الحب:
ظالم من يتهم الحب بأنه ضيّع عليه حياته وحرية النجاح فيها. لا يتعايش الحب والفشل. الحب مصعد يرقى بصاحبه الى تحقيق ذاته بأسرع من أحلامه. والفاشل لا يعرف كيف يحب. انه يحاول إيجاد ذريعة لفشله فيدعي حباً لم يكن في أي يوم إلا وهماً.

Exit mobile version