طلال سلمان

عن المبدع زكي ناصيف..

لم يعرف اللبنانيون، ومعهم الجمهور العربي العريض، ملحناً عظيماً، شديد التواضع، غني الذاكرة الموسيقية بالألحان السريانية والشرقية عموماً واساليب الغناء في دنيا العرب كما الغرب، مثل المبدع زكي ناصيف.

تقول ذاكرته كما سجله العائلي:

– ولد في 4 تموز 1916 في بلدة مشغره في البقاع الغربي.

– والدته كانت صاحبة صوت جميل، وكانت تغني الشروقيات حزينة الطابع.

– والده كان تاجراً يعمل في نقل البضائع بين دمشق ومشغرة ويريد أن يجعل منه تاجراً وكان يقول له: الفن جميل ولكن لا يطعم خبزاً.

– أشقاؤه: توفيق، رفيق، شفيق، زكية، نجيبة.

– نزل والده إلى بيروت سنة 1921 وعاش في عين الرمانة وأقام فيها حتى وفاته.

– في العام 1928 دخل مدرسة المخلص ونال منها الشهادة الابتدائية، ومن ثم انتقل إلى الكلية العلمانية الفرنسية (اللاييك).

– في العام 1934 اضطر للتوقف عن دروسه في الكلية العلمانية الفرنسية لأسباب صحية.

– بين 1934 و1936 قضى فترة حائرة كان خلالها يستمع إلى الإذاعات على اختلافها من عربية وسواها. وكان أتقن العزف على العود وأغاني محمد عبد الوهاب وأم كلثوم. لكن الإذاعات الأجنبية أيقظت طموحه إلى معرفة الموسيقى العالمية بحيث عندما كان يستمع إلى إذاعة موسكو تبث السيمفونيات تتولد الدهشة في نفسه.

– في العام 1936 دخل المعهد الموسيقي في الجامعة الأميركية وكان يديره موسيقيون روس (كانوا هاربين من الثورة البولشيفية واحتضنتهم الجامعة وأنشأت لهم معهد الوست هول)، وبقي هناك حتى العام 1939.

– عرف البروفسور برتران روبيار (وكان عازف أرغن عند اليسوعيين وأستاذ رياضيات في الوقت نفسه) وتتلمذ له، كما تتلمذ له آنذاك كل من رفاقه: بوغوص جلاليان، توفيق الباشا والإخوان رحباني.

– تعلم العزف على البيانو مع أستاذة تشيكية كانت متخصصة بسوناتات بيتهوفن .

– في العام 1941، تعاطى التجارة، وكان والده أعطاه رأسمالاً صغيراً فراح يبيع جلوداً وبذوراً للزرع. وبعد مرض والده عمل مع أخوته متخصصاً في شؤون المحاسبة.

– بقي عازباً.

– لم تستطع التجارة إبعاده عن الموسيقى التي انصرف إليها نهائياً بعدما تحرر مالياً من عائلته.

– انتسب إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي.

– في العام 1953 كانت بداية مرحلة الاحتراف الموسيقي في حياته. فدخل إذاعة الشرق الأدنى التي كان مركزها بيروت وبثها في قبرص بتشجيع من صبري الشريف.

– ألّف مع الأخوين الرحباني وفيلمون وهبي وتوفيق الباشا وصبري الشريف “عصبة الخمسة” وكان هدفها الخروج على الغناء الشائع.

– في العام 1956، وبعد توقف إذاعة الشرق الأدنى شارك في مهرجانات بعلبك كان له دور هام في الأعوام 1957- 1959-1964 -1974 .

من أعماله التي تذكر: درب الغزلان -فوق جبالنا -رمشة عينك – يا ليلى – صللي يا سنابل – سهرنا سهرنا – أهلا بها الطلة أهلا – اشتقنا كتير – ايدك عالدبكة – يا جمال بلادي – راجع يتعمر لبنان.

– وكان أول لحن له سجله بصوته لإذاعة الشرق الأدنى قصيدة للشاعر محمد يوسف حمود مطلعها:

كيف أنساك وفي عيني وبالي صورة أنت على رحب الخيال

– لحن للمطربة صباح: “أهلا بالهاطلة أهلا – عالبنان لاقونا.

– لحن لوديع الصافي: رمشة عينك –  طلوا حبابنا طلوا.

– لحن لفيروز: يا بني أمي – أهواك بلا أمل.

– توفي في 11/3/2004

كان ابن مشغره شجي الصوت، أقرب إلى الترنيم الكنسي، لكنه واسع الثقافة، “ابن شعبه” بالفطرة، تحفظ ذاكرته الكثير من ابداعات التراث الشرقي، كما انه كان شاعراً رقيق الحاشية، متواضعاً جداً، ودوداً، يبتعد عن المناكفات والمخاصمات، ويفضل الانصراف إلى سماع الموسيقى وتأليفها، واحياناً يتصدى لكتابة كلمات اغانيه ومن يقصد اليه من المطربين والمطربات.

وعندما اعتلى الرحابنة بعبقريتهم مع الصوت الرقيق كنسمة، فيروز، ادراج قلعة بعلبك، اعتبر زكي ناصيف أن مهرجانات بعلبك هي المدرج الطبيعي لألحانه وأغانيه. وهكذا استجاب لنداء سعيد فريحة، مؤسس دار الصياد، وفيها المجلة السياسية، “الصياد” والجريدة السياسية، “الانوار”، وفيها ايضاً “الشبكة” التي كانت من انجح المجلات الفنية، ووافق علــى أن يرعى -فنياً – “فرقة الانوار” للفولكلور التي قرر سعيد فريحه انشاءها وجمع لها حشداً من المطربات أبرزهن (صباح) والمطربين ابرزهم (وديع الصافي) والملحنين (عفيف رضوان) الخ..

بعد مهرجانات بعلبك ومعها لحن زكي ناصيف عشرات الاغاني وقد غنى بعضها، ووزع البعض الآخر على صباح ووديع الصافي ونصري شمس الدين وكثير غيرهم، وحققت نجاحاً كبيراً.. وكان حاضراً على الدوام لتشجيع الموهوبين من اصحاب الاصوات الجميلة (شباناً وشابات) وتقديم الاغاني لهم.

كذلك كان لا يرفض اية دعوة للمشاركة في أي عمل فني أفقه العام وطني،

زكي ناصيف مشاركاً في عرس قانا في مسرح المدينة عام 1996

من هنا كانت مشاركته مع فرقته الموسيقية، متطوعاً، في احياء ذكرى شهداء مجزرة قانا الذين سقطوا نتيجة اعتداء جوي اسرائيلي، والتي اقيمت في “مسرح المدينة” بقيادة الفنانة الكبيرة نضال الاشقر، وجريدة “السفير” وقد شارك في احيائها مطربون ومطربات كبار بينهم الفنانة ذات الصوت الملائكي ماجدة الرومي، والفنان الكبير جورج وسوف، والفنان المميز ايلي شويري والمطرب الكبير عبد الكريم الشعار والمطرب الممتاز راغب علامة والمطربة الكبيرة سمية بعلبكي مع عاشق العود نبيه الخطيب وطوني حدشيتي وصبحي توفيق والين خلف وزين العمر وعازار حبيب وعلاء زلزلي وحسن الحفار وفرقته والشاعر الكبير طلال حيدر.

كما اقيم للمناسبة معرض فني كبير قدم له اللوحات الابداعيات عدد كبير من الرسامين العرب، مصريين وعراقيين وسوريين وتوانسة ومغاربة… وجاء الرسام السوري احمد الملا مشاركاً ثم أمضى ايام المعرض يرسم مباشرة وامام الجمهور بعض أبدع لوحاته.

لقد عاش المبدع زكي ناصيف حياته ببساطة منصرفاً إلى التلحين والشعر والغناء ومحاولة اعادة تجميع المهمل من التراث وصياغته مجدداً، كما انه وزع ألحانه على كوكبة ممتازة من المطربين والمطربات.

وليست مبالغة أن نعتبر هذا الفنان الكبير، شديد التواضع، الانساني في مواقفه ومشاعره، أحد ركائز التجديد في الغناء والتلحين.

ولقد أبدع زكي ناصيف، مع وقف الحرب الاهلية-العربية-الدولية على لبنان وفيه، اغنية رائعة كادت تتفوق على النشيد الوطني ذاته، بكلماتها البسيطة والمعبرة، ولحنها الشجي وان كان حماسياً هي اغنية:

“راجع، راجع يتعمر راجع لبنان

 راجع متحلي وأخضر أكتر ما كان”

رحم الله هذا الشاعر-الملحن – المطرب بصوته المميز والذي أنعش التراث وافاد منه وجدد فيه وأضاف اليه: زكي ناصيف.

Exit mobile version