طلال سلمان

عناق دم

كان المشهد أبشع من أن يكون حقيقياً، وكان عليك أن تفرك عينيك بكفيك لتتأكد من سلامة بصرك: السيد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مع رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود أولمرت في حالة عناق حار، كصديقين حميمين التقيا على اشتياق بعد فراق طال حتى بلغت اللوعة حد الاحتراق!
وكان الشاهد ملكياً تحفّه جوائز نوبل، في قلب بترا التي كانت ذات يوم رمزا، ثم صارت صالة أفراح.
أما في غزة فكان المشيّعون الذين فرغوا من إقامة الصلاة على شهداء مذبحة الصباح من أطفال فلسطين، يسارعون إلى حيث دوّت تفجيرات صواريخ القتل الإسرائيلية ليرفعوا من بين الأنقاض والحديد المحروق الاجساد الطرية للأطفال الجدد الذين نالوا الشهادة قبل ان يعرفوا الطريق إلى المدرسة، وانطلقوا ليزيدوا من اعداد طيور الجنة … ثم ينتظم الجمع في موكب التشييع الثاني، وقد أعدوا أنفسهم لتشييع ثالث طالما ان آلة الموت الإسرائيلية لا تجد من يوقفها.
كانت الدماء متوهجة بعدُ فوق رمال بيت لهيا وخان يونس، وشارع صلاح الدين في غزة، وكان الأطباء قد عجزوا عن استنقاذ الجنين بإخراجه حياً من رحم أمه التي عادت إلى ربها راضية مرضية، بالنار الإسرائيلية التي تتمدد ألسنتها حتى لتكاد تحرق حاضر فلسطين ومستقبلها بعدما التهمت ماضيها أو هي توشك ان تفرغ منه.
الرئاسة منزّهة عن العواطف والمشاعر، شخصية كانت أو عامة، عائلية كانت أو وطنية… ولا فرق بين رئاسة القاتل ورئاسة الشهيد، فالمناصب السامية أرفع من أن تطالها مثل هذه التوصيفات الغوغائية!
الرئاسة الفلسطينية منفصلة، بقرار حازم، عن فلسطين، أما رئاسة الحكومة الإسرائيلية فإسرائيلية حتى العظم، وهي منفصلة بالطبع عن فلسطين إلى حد إلغائها تماماً.
السيد الرئيس مشغول عن الغارات الإسرائيلية وعن ضحاياها من الشهداء الفلسطينيين بالانهماك في الإعداد للاستفتاء الذي سيلغي ببدعته الحكومة التي استولدتها الخدعة الأميركية تحت مسمى الديموقراطية .
السيد الرئيس لا يريد له شريكاً إلا الإسرائيلي، لا يهم اسمه، فالكل في إسرائيل واحد: شارون مثل نتنياهو، وبيريز مثل باراك، وأولمرت يطمح لأن يكون بيغن الثاني ان لم يكن بن غوريون الثاني.
السيد الرئيس التقى هدى غالية، الناجية الوحيدة من بين أفراد أسرتها الستة، وهو قد قبّلها وطيّب خاطرها وأعطاها هدية وسمح للمصوّرين بأن يلتقطوا له صوراً تذكارية معها، فماذا تريد بعد… للشهداء الجنّة وعلى الأرض السلطة له بلا شريك إلا الإسرائيلي! ولأولمرت العناق!
السيد الرئيس عملي، براغماتي، لا يضيع وقته في ما لا طائل تحته.
لا وقت للحزن عند السيد الرئيس. السلطة تذهب بالحزن. السلطة فرح دائم. والشهداء وقود السلطة. والسيد الرئيس يعترف للشهداء بأنهم قد أدّوا واجبهم فليدخلوا الجنّة راضين مرضيين، وليتركوا القيادة تواصل نضالها لتدمير الاحتلال الإسرائيلي… بالعناق!
كيف يكون الاعتذار من الشهداء؟!

Exit mobile version