طلال سلمان

عمود فقري قمة عتيدة

صار للقمة العربية الموعودة بها بيروت، بعد شهرين تقريباً، »عمود فقري« ومشروع جدول أعمال يمكن استخلاصه من مواقف معلنة وثابتة لثلاثة أطراف تحديداً هي: لبنان، المضيف الرسمي والحاضنة الشعبية، وسوريا والسعودية.
فأما العمود الفقري فيتمثل في رفض الخضوع للابتزاز الأميركي الذي ألجأ العرب إلى موقف دفاعي متهافت عندما اعتمدت إدارة جورج بوش المنطق الإسرائيلي فاتهمت العرب (والمسلمين) برعاية الإرهاب، بل وبممارسته مباشرة في فلسطين (!!) وكأن »السلطة« هي التي تحاصر أرييل شارون (الأعزل!) أو كأن طائراتها ودباباتها ومدافعها هي التي تغتال شباب فلسطين وأطفالها وتدك مخيمات اللجوء فيها وتهدم البيوت على رؤوس أهلها أو تشردهم في عراء الخوف العربي وثلوج التجاهل الدولي.
فانعقاد القمة في بيروت تحديداً، بعد تنازل اختياري ومقصود به التكريم قرره الشيخ زايد بن سلطان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، له دلالاته السياسية الواضحة.
ذلك أن لبنان المقاومة المنتصرة بالتحرير وإجلاء المحتل الإسرائيلي، سيضخ شيئاً من الروح في القمة (المطعون سلفاً في قدرتها على اتخاذ القرار أو على وجه الدقة على الإرادة المطلوبة لتنفيذ مضمون البيانات التي تُعاد صياغتها قمة بعد قمة، بنسق تراجعي حتى فقدت صدقيتها وبالتالي »شرعيتها« كمرجعية قيادية لهذه الأمة المستباح دمها والمهدورة كرامتها.
فأما »العمود الفقري« فيمكن الافتراض أنه سوف يتكوّن بداية من لبنان، ومعه الموقف السوري الواضح والذي لم يتأثر برياح التهويل المسمومة وخطابات التهديد و»النصائح« الملغومة، والذي أعاد الرئيس بشار الأسد توكيده علناً مرات عدة في الأسابيع الأخيرة، ثم الموقف السعودي الذي لم يرضخ للضغط بالتشهير العلني وبالتلويح بقطع الصلة، والذي عبّر عنه بجلاء ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز، في تصريحات متعددة آخرها هذا الذي نشرته أمس الصحيفتان الأميركيتان الأشد نفوذاً: »نيويورك تايمز« و»واشنطن بوست«.
هذا لا يعني، بحال، أنها ستكون قمة الحرب على الولايات المتحدة الأميركية، أو حتى على إسرائيل، فالحرب لم تعد بين المفردات العربية المتداولة إلا عند الإشارة إلى أنهم لا يطلبونها ولا يريدونها ولا يقدرون عليها..
لكن هذه المواقف المتكاملة لكل من لبنان، بتجربته الناجحة في إثبات مشروعية المقاومة وجدواها وتصادمها الحتمي مع الإرهاب، متمثلاً بالاحتلال الإسرائيلي، وسوريا التي كانت السند الأقرب والأقوى للبنان المقاوم، والسعودية التي آزرت لبنان وأكدت حقه المشروع في المقاومة، تشكل منطلقاً لصياغة موقف عربي متماسك يمكنه استنقاذ ما يمكن إنقاذه من الحقوق والمصالح والكرامة في فلسطين (أبعد بما لا يقاس من فك الحصار الإسرائيلي عن مقر ياسر عرفات الممنوع من مغادرة رام الله).
مرة أخرى يعيد الأمير عبد الله التوكيد على موقفه »العملي«: »بكل صراحة، أشعر بقلق عميق بشأن صدقية أميركا، ويهمني كيف ينظر الناس إلى أميركا… نحن في السعودية كنا أصدقاءكم، عندما أراد قليلون أن يكونوا أصدقاءكم… في المناخ الراهن نجد أنه من الصعب جداً أن ندافع عن أميركا ولذلك نلتزم الصمت«.
وصدقية أميركا المطعون فيها قد أسقطها دعمها غير المحدود لإسرائيل وللسفاح الحاكم فيها، أرييل شارون: »إننا قلقون بشأن المستقبل، وبشأن الأسباب التي تدفع الناس لكي يصبحوا انتحاريين… ولكننا نرى النار تطلق على الأطفال، والأبنية تدمَّر، والأشجار تقتلع، والناس محاصرة، والأراضي مغلقة، والنساء تقتل والأطفال يولدون أمواتاً أمام الحواجز العسكرية الإسرائيلية«.
خلاصة هذا الموقف أن السعودية لا تستطيع أن تقبل أن تمر صداقتها لأميركا بهذا الإسناد الأميركي المفتوح لإرهاب الدولة في إسرائيل ضد فلسطين، شعباً وأرضاً وقضية تخص العرب، كل العرب.
وقبل أربع سنوات وسبعة شهور كان ولي العهد السعودي قد قال في »حوار وجداني« مع »السفير« خلال زيارته الرسمية لبيروت ما مفاده: »نحن على صداقة مع الأميركيين، وهذا أمر معروف، لكننا نحن من نعرف مصلحتنا، ولا يمكن أن نقدم مصالحهم على مصالحنا. إننا عرب، ومصلحتنا مع العرب والمسلمين.
»ان الأميركان أصدقاؤنا، لكن لنا سياستنا ولنا مصالحنا. هل تريدون أصدقاء ضعفاء لا ينفعونكم في شيء ويشكلون عبئاً عليكم، أم تريدون أصدقاء أقوياء. أما نحن فنفضل أن نكون أصدقاء أقوياء، خصوصاً وقد شهدنا بأم العين ما أصاب شاه إيران..«.
… وقبل أيام جمعتنا المصادفة مع الأمير عبد الله بن عبد العزيز في الكويت، فبادرنا ولي العهد السعودي، على مسمع من الرئيس رفيق الحريري وبعض المسؤولين الكويتيين: »أتذكر… قبل فترة من الوقت قلت لكم بعض الكلمات في بيروت فأثارت الكثير من الإشكالات، لكننا كنا نعبّر عن ضميرنا وما زلنا على موقفنا«.
وكان بديهياً أن نؤكد لولي العهد السعودي أن »تلك الكلمات« قد نسفت مشروع »المؤتمر الاقتصادي« الذي كانت تحضره حكومة قطر، بطلب أميركي معلن، لمصلحة إسرائيل، ولإجبار العرب على التسليم بها »دولة راعية« بل »دولة قائدة«، إذا ما أخذنا بالاعتبار تقدمها الصناعي وقوتها العسكرية الفائقة.
و»الكلمات الجديدة« للأمير عبد الله التي قالها للأميركيين مباشرة، تصلح تماماً كمدخل إلى جدول أعمال القمة العتيدة في بيروت، ومن هنا كان التقدير أن هذا الموقف السعودي مع الموقف اللبناني السوري المشترك، في الإلحاح على ضرورة التمييز بين المقاومة والإرهاب، وبالتالي بالمساندة المطلقة لشعب فلسطين المحاصَر في وجه الإرهاب الإسرائيلي المفتوح، يمكن أن يشكل العمود الفقري لهذه القمة التي يخاف منها أهلها بأكثر مما يخاف منها أعداؤهم أو خصومهم أو الذين لا يحرصون كثيراً على صداقتهم، أو أنهم يريدونهم ضعفاء حتى لو ضاعت الصداقة أو احترقت بقذائف الطائرات والدبابات الإسرائيلية، وكلها من صنع أميركي.

Exit mobile version