طلال سلمان

عملية نصب انتخابية

فلنضحك بمرارة. فلنبتسم بخبث. فلنسخر بلؤم. وليكن غضبنا على قياس طموحنا. فلنقل: هذه الانتخابات لا تخصنا. لا علاقة لنا بها، فهي عملية نصب معلنة… ثم فلنمضِ إلى معالجة بؤسنا، بيأس بنّاء، كل يأس آخر مُدان. يأسنا هذا صادق وجميل وحيوي، ويرقى إلى الفعل السياسي الديموقراطي.
القطيعة، مع نظام عبقري الكذب، فضيلة سياسية، تؤهل المقاطعين، للعبور إلى لبنان بطريقة اخرى، إلى وطن لائق بمواطنين احرار، فكوا أسرهم من سجون الطائفية، وتطهروا من ارجاسها، بوعيٍ نهائي: “لا حياة للبنان مع الطائفية”، “ولا ديمقراطية مع الطائفية”.
القطيعة مع زعماء الدهماء ومع زبانية الفساد وأرباب الخرائط الانتخابية، هي الرد الطبيعي الاسهل، على أفعال الارتكاب المشينة والمعلنة: انهم يرتكبون انتخابات تتصف بالخيانة الفاقعة، للدستور وحقوق الانسان ومبدأ المواطنة والقيم الديموقراطية.

معيب أن يظل اللبناني حائراً بين الاشتراك بالتزوير وبين أن يكون شاهد زور. معيب أكثر أن يثابر بجهد رخيص، على أن يحجز مكاناً له في صفوف الاتباع، لحفنة قابضة على الأعناق ومصادر الأرزاق ومرافق المال، تعيث في السياسة فساداً. معيب ومخجل هذا الإصطفاف الأعمى لـ “نخب”، من الإختصاصات كافة، خلف من اكتسبوا مكانتهم الوضيعة، بفضيحة التخلي عن المحاسبة والمساءلة، مقتنعين عن جد، بمنطق التسليم بالقول: “هذا هو لبنان”. فعلاً، هذا هو لبنانهم وليس لبنان المواطنين المفترضين.

خلاصة ما آلت اليه معارك القانون الانتخابي: الفشل.
العجز، من شيم النظام اللبناني. لا جديد ابداً. الإدعاءات بتصحيح التمثيل كذبة بلقاء، لا أحد في هذه “الحفنة القيادية” يتجرأ على عملية انتخابية بمواصفات ديموقراطية كلاسيكية.
لا أحد يجازف بخسارته. المتهم عادة لا يضع الحبل حول عنقه. المطالبة بقانون حديث، عادل، تمثيلي لغو وهذيان. لبنان صاحب مدرسة في ارتكاب أبشع انواع الإقتراع وأفدح القوانين الانتخابية.
خلاصة المعارك، أن الانتخابات انتهت، إن حصلت او لم تحصل. سيان إن جرت او تأجلت او… لبنان قادر أن يركض برجل واحدة، ويسبق الجميع في السقوط… يتباهى اليوم أنه لا يشبه محيطه، لأنه آمن. نسي انه كان يشبه محيطه في حرب الخمسة عشر عاماً. وأن مجالسه النيابية كانت تتدرج في سلم الهبوط، من سيء إلى اسوأ، إلى أن بلغنا القعر، في مجلس يصح فيه: “الضرب في الميت حرام”.

لو أن هذه الحفنة سيئة السمعة، صادقة فيما تقوله، لا في ما تنويه، لعادت الى نصوص الدستور، ووجدت أن قانون الانتخاب ليس آلياته، بل قاعدته السياسية. الأكثري فضيحة، النسبي كذبة، المختلط بدعة. المشكلة تكمن في طائفية ومذهبية الانتخاب، وتمذهب “المقترعين”…
الخوف على الطوائف في لبنان، بدعة وفضيحة. إن حقوق الطوائف مصانة ومقدسة. نالت من الحقوق. في ما تؤمن به، وفي ممارسة الشعائر، وفي ازدهار مؤسساتها الصحية والتربوية والاجتماعية والاعلانية، ما لم تنله هيئة اجتماعية.

لا أحد يعتدي على حقوق الطوائف، كل الطوائف. لها مدارسها وجامعاتها وإعلامها ومستشفياتها ومحاكمها… لديها فائض من الحقوق. أما حقوقها في السياسة فقد بلغت التخمة: رئاسة وحكومة ونيابة وإدارات وعقارات وإجازات… الطوائف في لبنان، ظالمة وليست مظلومة. قابضة، غير مقبوض عليها. شبعانة ومتخمة ولا حاجة الا وتسددها الدولة. ومع ذلك يكذبون بصوت “الفاجرة”: أين حقوقنا؟ المناصفة مكرسة ومقدسة، برغم افتئاتها. المناصب مختصة لأصحابها.

معيب هذا الجشع الطائفي.
ومعيب أكثر، تلك الأكثرية اللاطائفية، الصامتة، المغلولة، والتي ما تزال تراهن، على عقلنة الطائفية.
ما يجري اليوم، هو أفدح عملية نصب في تاريخ لبنان، وأبسط الايمان المقاطعة. مقاطعة الاقتراع، ومقاطعة هذه الحفنة.
بعض الحراك ضروري، كي لا يكون الصوت، صوت صارخ، في البرية.
قد يفوتنا طقس الضحك بمرارة، ليبدأ زمن البكاء على الاطلال.

Exit mobile version