طلال سلمان

علي جمال الدين طاهر: آن لك ان ترتاح ..

حتى خبر رحيله جاءني منسجماً مع اسلوبه ونمط حياته: بلا مقدمات، وبلا ضجة. يدخل عليك بهدوء حتى لتحسب انه هبط من السقف، ويخرج بلا وداع واثقاً من أن اللقاء التالي قريب جداً، بعد يوم، بعد عام، بعد جيل، بعد قرن، ولكنه سيتم.
علي جمال الدين طاهر: مَن مِن جيل صحافة الستينات والسبعينات لا يعرفه، سواء في مصر أو في لبنان، مبدعاً في رسم شخصية مجلة جديدة، إخراجاً وتحريراً، ثم من لم يعرفه بعد ذلك، على امتداد الوطن العربي، صاحباً ومحرراً لأول وكالة أنباء خاصة توزع الموضوعات المصورة التي تعالج ما تقدمه مختصراً أكثر مما يجب وكالات الأنباء الدولية: يحمل حقيبته ويدور بما اختاره أو جمعه، منفرداً في البدايات، ثم بالتعاون مع مجموعة مختارة من زملاء صحافيين أخذتهم اقدارهم إلى المهاجر… العربية.
علي جمال الدين طاهر: القادر على إنتاج مجلة كاملة، تحريراً وترجمة، تصويراً وإخراجاً، بغير ان يتذمر إلا لأنها لن توزع بقدر ما يستحق التعب لإنتاجها،
… ولقد اختار علي جمال الدين طاهر لبنان وطناً، من دون ان يتخلى عن مصر أو يهجرها. كان يتنقل بينهما كمن ينتقل بين بيتين له في حيين في مدينة واحدة… وعلى هذا فقد صاهر بيروت وأقام أسرة وكان بديهياً ان يحمل بكره »شفيق« بعض »امراض« أبيه، وهكذا فقد دخل الصحافة من بوابتها الخلفية: المطابع… ولأن »شفيقاً« كان ابن عصر آخر، فقد حرضه الوالد الذي يحسن قراءة الغد على الاهتمام بتطور فنون ما قبل الكتابة وما بعدها، من الكومبيوتر إلى المطابع الجديدة التي تتحدى قدرات الكتاب على ان يبدعوا ما يستحق انتاجها الغزير.
من »مصر الفتاة« في الأربعينات، إلى جريدة »المصري« في بداية الخمسينات التي صيرتها الثورة في مصر »الجمهورية« إلى »وكالة أنباء الشرق الأوسط« فإلى »الأحد« و»الكفاح« و»الحوادث« حتى استقر في وكالته »اورينت برس«، رحلة مع المحاولة العنيدة لإحداث تجديد ما في الصحافة العربية.
الرحلة انتهت أيها الصحافي الشريد…
آن لك ان ترتاح أيها المتعب بخيبات السياسة العربية التي منعت تطور الصحافة العربية بما يليق بكرامة الإنسان العربي.

Exit mobile version