طلال سلمان

على هامش حكم

لم يكن أحد يتوقع حكمù غير الذي صدر، لم يكن ممكنù التفكير بما هو أقل. لكن اللبنانيين كانوا يفضلون حكمù أشمل وأعم.
كانوا يتمنون حكمù ضد الحرب كلها أكثر مما يتمنون ادانة واحد من أبطالها فقط،كائنù من كان، وكائنة ما كانت الجرائم المتهم بارتكابها أو التحريض عليها.
فالانتصار في الحرب لا يحمل البراءة الى الذين صحّ رهانهم. ربما أفادهم في الوصول الى الحكم، لكن الحكم أمر مختلف جدù عن البراءة، ولعله في حالات كثيرة يكون نقيضها. كذلك فالخسارة المتأتية عن الرهان الخائب لا تستتبع بالضرورة ادانة الخاسر وتجريمه.
على ان المجلس العدلي لم يكن يملك ان يحاكم الا من قدم اليه، بوصفه متهمù في جريمة أو جرائم موصوفة. وهو قد حكم في ضوء ما توفر لهيئته من ادلة وقرائن تتصل بالجريمة موضوع الدعوى.
تحسبù لاية شبهة بالتحيز أو بالكيدية أو بالنزوع الى الانتقام، أشار قضاة المجلس العدلي بوضوح الى انهم نظروا في ما بين ايديهم، ولم يكن ذلك قرارهم أو خيارهم، وأبقوا الشبهة حيث يجب أن تبقى: فوق القرار السياسي وليس فوق الحكم القضائي.
والقرار السياسي قراران: أولهما من الحكم وثانيهما من جعجع، أو لعله في فترة ما كان بالعكس تمامù، أي الاول من جعجع والثاني من الحكم، فالحكم عرض وجعجع قرر الرفض، وجعجع طلب والحكم عجز عن التلبية. ولا يستقيم السؤال: من انقلب على الآخر؟ بجواب من خلال الحكم القضائي وحده.
لا ندم، لا سمير جعجع أظهر أي قدر من الندم، حتى وهو يؤكد الصفة السياسية لمحاكمته، ولا الحكم يؤاخذ نفسه على انه قصر. كل عمل ما عليه أو ما اراده أو ما افترض انه يناسبه.
ولعل جعجع اليوم يمنِّي نفسه بالغد، مثله مثل ميشال عون. لقد ضاع منه الحاضر، لهذا السبب أو ذاك، ولكنه لا بد سيكون في المستقبل، أو هكذا يفترض، والا لما كان الرهان أصلا. وطريف ان يلتقي المتحاربان (بالناس) في الامس القريب، على حلم وراثة العهد الذي حارباه، كل من موقعه وبتوقيته الخاص، في غد ما، حتى لو كان بعيدا.
لكن ذاكرة الناس المنهكة بما تختزنه من مآسي الحرب وعذاباتها لا تكاد تحتمل اكثر من تفاصيل اليوميات، خصوصù وان المنطقة تمور باحداث كبرى من شأنها ان تبدل صورة الدول وخرائطها جملة وتفصيلاً، ولا مجال في هذه الحالة للحجز المسبق، او لحفظ الاماكن للذين تخلفوا عن اداء ادوارهم في اللحظة المناسبة… الحصة للحاضر القادر، اما من غيَّب نفسه او غيبه استعجاله او بطء حركته فلسوف يغدو بعض الماضي الذي لن يعود.
والناس يتمنون لو كان الحكم القضائي الصادر عنوانù لجمهورية جديدة وليس تسديدù لحساب اخير في جمهورية متداعية الاركان.
وهم يتمنون اخيرا لو ان الحكم القضائي كان الصفحة الاخيرة في السجل الاسود للحرب، لكنهم حزانى لان حروبا اخرى كثيرة وبغير رصاص قد فرضت عليهم وهم يدفعون ثمنها بأغلى مما دفعوا في زمن الحرب… الاولى!

Exit mobile version