طلال سلمان

على طريق من يحارب جامعة عربية

يكاد الدكتور عصمت عبد المجيد يستفزك بهدوئه ثم بنبرته الخافتة التي تلزمك بالاصغاء وبالتالي بإعادة صياغة ردك بما يتناسب مع وقار التجربة ومرارات حكمة الخبرة المعتقة.
كان السؤال عن مصير جامعة الدول العربية، وعن النوايا الاسرائيلية تجاهها… وقبل أن يكمل الأمين العام لهذه المؤسسة العريقة والمعطلة انتقاء كلماته الدبلوماسية المطمئنة، جاءه سؤال ثان أكثر مباشرة: هل في صندوق الجامعة ما يكفي مرتبات الشهر المقبل؟!
لم يستطع الرجل الوقور منع نفسه من الانفجار ضحكù، قبل أن يقول: لا وا”… والجامعة تعيش تقريبù شهرù بشهر،
صارت الحرب العربية موضوع الحديث بدلاً من الحرب الإسرائيلية لشطب الجامعة كمؤسسة ترمز إلى المصير الواحد.
قال الأمين العام: إن إسرائيل تجتهد لإنهاء جامعة الدول العربية، وإقامة جامعة شرق أوسطية بديلة، لم تعد تقبل بأن يجتمع العرب من دونها، فهي طرف أساسي، الآن، في المنطقة، ولكنها تريد نزع الهوية العربية للمنطقة، ومن هنا حربها على الجامعة. إنها تريد مؤسسة جديدة تكون هي قطبها الأساسي، وتكون هويتها مموّهة بحيث تصبح إسرائيل وكأنها المنطقة برمتها.
ودار النقاش، والمشاركون نخبة، حول المحاور الآتية:
} إن إسرائيل ستظل تقاتل من أجل أن تفرض نفسها صلة وصل بين العرب أنفسهم. ممنوع بعد اليوم أن يلتقي عربيان من دون إسرائيل. إنها ترى في ذلك تواطؤù أو تآمرù أو عملاً عدوانيù ضدها وهذا يتنافى مع »السلام«!
} مستحيل أن تتحوّل قمة القاهرة، التي جمعت إلى الرئيس المصري كلاً من رئيس وزراء إسرائيل وملك الأردن ورئيس سلطة الشرطة في غزة، إلى مؤسسة، فلا أحد يملك أو يقدر أن يعطي الباقين ما يريدونه، خصوصù وأن الثلاثة يطلبون من الإسرائيلي، والإسرائيلي يريد بدوره ومن الجميع… والأميركي لا يستطيع أن »يدفع«، بل لعله هو الآخر يطلب لنفسه ويحاول أن يفرض على »الغائبين« العرب أن يدفعوا.
} أخطر ما نجحت فيه إسرائيل، وقد ساعدها تفريط القيادة الفلسطينية وهرولتها لقبول ما عرض عليها، نفي صفة النضال الفلسطيني كحركة تحرّر وطني.
إن طمس الهوية الأصلية للنضال الفلسطيني، وإبراز الشعار الإسلامي وحده، قد سهلا على إسرائيل تسويق نظريتها حول »البعبع الإسلامي« الذي يتهدّد الحضارة الغربية برمتها.
الحركة الوطنية الفلسطينية، أو الحركة القومية العربية، تتجه بصراعها نحو إسرائيل ككيان سياسي… أما الحركة الاسلامية فمن السهل تصويرها وكأنها حركة دينية تتجه بعدائها نحو اليهود، واستطرادù نحو المسيحية المحالفة لليهودية على قاعدة الحضارة الغربية…
فإذا ما صار الصراغ دينيù صار يخص العالم الغربي برمته وليس فقط إسرائيل، وصار الإسلام عدوù لكل غير المسلمين،
ومن هنا دخول الحلف الأطلسي على الخط، واعتماده النظرية ذاتها: إن الارهاب، أو الأصولية الإسلامية، أو الإسلام، هو العدو الجديد الذي »ورث« المعسكر السوفياتي والشيوعية وحلّ محلهما.
من هنا يمكن فهم الدور التشجيعي الذي لعبته إسرائيل ومعها الولايات المتحدة الأميركية لبعض فصائل »الحركة الإسلامية« التي أنتجتها مراكز المخابرات فيهما واستخدمتها لفترة لضرب الهوية الوطنية للنضال الفلسطيني خاصة والعربي عامة وضمن سياق الصراع العربي الإسرائيلي، المفتوح اليوم والذي سيظل مفتوحù غدù.
والأمين العام ليس قلقù على الغد،
»إن ما يجري مرحلة تفرضها التحولات الدولية والانهيارات العربية، وإسرائيل ستظل ترى نفسها جسمù غريبù في المنطقة، ولذلك تحاول أن تفرض عليها تغيير هويتها جميعù لتصبح هي السيد المطلق فيها… والمواطن العربي يعبّر كل ساعة عن رفضه لهذا »الفرض!«.

Exit mobile version