طلال سلمان

على طريق قراءة اولية في”الازمة”الاسرائيلية

في القراءة الأولية للنتائج غير النهائية للانتخابات الإسرائيلية يمكن التوقف أمام الدلالات الآتية:
1 إسرائيل منقسمة على ذاتها في مواجهة خيار ما جرى التعارف على تسميته »السلام«، أو »المشروع الأميركي للسلام في الشرق الأوسط«.
2 الانقسام حاد وعمودي يبدو معه وكأن »المجتمع الإسرائيلي« منشق إلى نصفين ووجهتين متعارضتين كل التعارض بحيث يصعب افتراض التلاقي في المدى المنظور.
3 سيزيد من حدة الانقسام، ومن ثم الشلل الذي قد يضرب القرار الإسرائيلي، أن يتبيّن أن »الصوت العربي«، أي »فلسطينيي 1948« هو الذي أمّن الأكثرية الهزيلة لشمعون بيريز.
4 وإذا كانت »الديموقراطية« تعصم »المجتمع الاسرائيلي« من الاندفاع مع منطق الانشقاق الى حد الحرب الأهلية وتلجم الخلاف في حدود لا تؤثر على سلامة إسرائيل وأمنها وتفوقها المطلق ومشروع هيمنتها على المنطقة، فإن العقيدة الصهيونية التي قد تتبدى في لبوس »الوطنية الإسرائيلية« ستمنع احتمالات »التنازل« أمام المطالب العربية، لأن المزايدة ستفرض نفسها كطريق وحيد الاتجاه في ظل الانقسام.
5 بهذا المعنى فإن الفوز الهزيل لشمعون بيريز وحزبه يشكل ضربة لهيبة الادارة الأميركية وبيل كلينتون شخصيù، الذي أعطى خليفة رابين فوق ما يستحق عله يمكّنه من تجاوز رجل بلا تاريخ مثل نتنياهو، ولن يستطيع بيريز بالتالي أن يعطي صديقه الأميركي ما يتوقعه منه.
6 يتصل بهذا أن عملية السلام برمتها مرشحة للجمود، إن لم يكن للسقوط في جب النسيان.
وإذا كان مثل هذا الجمود قد لا يترك آثارù مباشرة وخطيرة على المسارين السوري واللبناني، المعطلين أصلاً بسبب »المزايدات« داخل إسرائيل، فإن المسار الفلسطيني مرشح لان يدفع ثمن الانقسام الاسرائيلي غاليù.
واذا كان الطرف الفلسطيني قد دفع فوق ما يطيق حتى لا يفوز نتنياهو وسائر متطرفي الليكود، فإنه سيطالب بأن يدفع اكثر فأكثر، وربما أوصل الى شفا الانتحار، حتى لا يحرج بيريز الآتي ضعيفù فيخرجه..
.. خصوصù ان بيريز الضعيف اكثر مما يتطلب الحكم وقراراته الصعبة، سيكون مضطرù الى التحالف مع بعض القوى السياسية الصغرى التي تقف على يمين الليكود، لا سيما في ما يخص المطالب الفلسطينية المتواضعة والتي هي ادنى بكثير مما نص عليه اتفاق اوسلو البائس.
7 خرجت ازمة القيادة في اسرائيل الى العلن، بعدما اكد »المجتمع الاسرائيلي« بانقسامه الحاد انه بلا رأس، بلا زعيم، بلا قائد او قيادة وانه غير مقتنع بأي من السياسيين المحترفين اللذين تنافسا على اصواته من دون ان ينجح احدهما في اقناعه »بتاريخيته« او بجدارته في وراثة »الكبار« الذين حوّلوا الحلم الصهيوني الى »الدولة العظمى« في الشرق الاوسط.
8 ثبت ان التواقيع المجانية العربية، وان هرولة المهرولين العرب، وان هدايا الخناجر ومكاتب العلاقات وخطوط الطيران التي افتتحتها بعض الدول العربية مع حكومة بيريز، وبتوقيت مقصود من اجل دعمه ونصرته على خصمه، لم تحقق المرجو منها داخل اسرائيل وان كانت قد زعزعت ما تبقى من الموقف العربي المتهالك.
اي ان المكاسب الاسرائيلية ظلت سلبية ولم تدخل صناديق الاقتراع برغم الاذى الذي لحق بالعرب عمومù، وبسوريا ولبنان بشكل خاص.
9 ان جثة اسحق رابين لم تعوض النقص في شخصية شمعون بيريز كخليفة.
ويمكن الاستطراد بأن الانقسام الانتخابي قد هدر دم اسحق رابين مرة اخرى، واعاد بعض الاعتبار الى قاتله فأظهر بأوضح صورة انه ليس فردù معزولا، وانه يمثل شريحة مهمة في »المجتمع الاسرائيلي« تتجاوز المتدينين المتطرفين الى قوى سياسية مهمة لا تنحصر في الليكود وحده.
10 أخيرù ومن باب الطرافة؛ فقد خيب الناخب الاسرائيلي آمال »البيريزيين العرب« فيه.
لقد اندفع هؤلاء البيريزيون العرب بعاطفية او بسادية او مازوشية الى تصديق اسطورة شمعون بيريز »العبقري« و»ذي الرؤية المستقبلية« وصاحب مشروع »الشرق الأوسط الجديد«، فبنوا عليها الكثير من الاحلام وقصور الوهم واشتروا كل اسماك البحور ودفعوا اثمانها سلفù،
وها هم الآن في حيرة من أمرهم لا يعرفون كيف يتصرفون.
الخلاصة: ان اسرائيل في ازمة.
هذا يعني ان ازمة المنطقة ستزداد حدة وربما تفجرت لتوفر المخارج اللازمة للمحاصرين داخل شرنقة الجمود.
وسيجد كثيرون، الآن، مهربù ممتازù في الاندفاع نحو انتظار آخر، موعده شهر تشرين الثاني المقبل، وفي واشنطن هذه المرة، حيث تتوفر الحلول لكل الهاربين من مواجهة مشكلاتهم وعجزهم وانكسارهم الذي يريحهم ويعفيهم من اي جهد، كائنة ما كانت قرارات الآخرين!
وخلاصة الخلاصة: لا حل يأتي من الخارج او يهبط بالمظلة من سماء القرار الاميركي،
ولا حل يأتيك من »عدوك«، فإذا حل ازمته فعلى حسابك، وإذا ما تعقدت فإنه لن يجد غير حسابك مجالا لحلها!

Exit mobile version