طلال سلمان

سودان يحمي قمة بدل ان تحمية ومعة عراق وفلسطين و

يغالب المواطنون العرب شعورهم المسبق بقصور القمم العربية عن تحقيق الحد الأدنى من آمالهم في أن يوفر الجهد العربي المشترك حلولاً أو مداخل إلى حلول جدية للمشكلات والتحديات الخطيرة التي تواجههم في يومهم وتتهددهم في مستقبلهم، في مشارق الأرض العربية ومغاربها.
ومع ارتياح المواطنين العرب إلى استمرار أنظمتهم في التزامها عقد القمم دورياً، ولو كانت نتائجها محدودة، فإن غياب بعض »الكبار« عن قمة الخرطوم يهبط بتوقعاتهم إلى أدنى مستوياتها بينما هم يعيشون موزعين بين فاجعة وأخرى، وبين هزيمة مرّة وثانية أمرّ منها وأدهى حتى ليكاد يضيع منهم غدهم بعد يومهم.
إن جدول أعمال القمة هذه السنة مكتوب بالدم: في فلسطين كما في العراق، وفي لبنان من قبل، وفي الأرض الطيبة التي تستضيفهم بلهفة وتعتبر قدومهم إليها بادرة تضامن قد تساعد على حماية السودان من خطر التمزيق الذي تحوّل إلى خطة معلنة بأفصح لغات العصر: الأميركانية!
مع ذلك فهم باتوا يخافون من »القمة«، كل قمة، إذ يرون فيها كما دلت التجارب محطة لمزيد من التنازلات… فإن لم تنهض القمة بالوضع العربي من وهدة ترديه فلسوف تتحوّل إلى عملية تمويهية لستر الضعف بالتوافق على التراجع بشكل جماعي بما يحمي كل نظام من أن يتهم بالتفريط أو الانحراف أو التنصل من واجبه »القومي«.
القمة لا تملك حلولاً سحرية: أليست هي حصيلة مجمل مواقف الأنظمة العربية على قاعدة الحد الأدنى؟! فكيف إذا كانت »دولة القرار« لم تعد تقبل التنازلات المحدودة، والفردية، بل باتت تطالب بتنازلات فادحة وجماعية وإلا منعت عقد القمة!
في هذه القمة بالذات يتكامل الشكل مع المضمون: فالدولة المضيفة مخضعة لحصار قاس، بينما تدبّر الفتن في أنحائها ومن حولها لإنهاكها بحيث يسهل تقسيمها وليس فقط تدجينها.
ثم إن فلسطين التي اعترف جميع المشاركين في القمة بفرادة الانتخابات التي جرت فيها، ونوّهوا بالديموقراطية التي مارسها شعبها برغم القهر اليومي بالتجويع والإذلال ومنع التواصل… هذه الفلسطين ممنوعة حكومتها المشكّلة حديثاً من المشاركة (ولا تهم الذرائع فليس أسهل من أن يغدو الشكل أهم من المضمون)، لأن مواجهة إسرائيل مهمة لا تقوى عليها قمة يتيمة كهذه التي أعطى السودانيون بيوتهم لضيوفهم فيها.
أما العراق فإن المؤتمرين يخافون منه أكثر مما يخافون عليه، ويخافون من الاحتلال الأميركي أكثر مما يخافون من نار الفتنة التي يعمل على إشعالها فيه، والتي ستنتقل شراراتها إليهم فتشعل حرائق يصعب إخمادها..
كذلك فإن المؤتمرين يخافون من إيران وعليها، ويسلّمون بدور عجزوا عن القيام بأعبائه، فتقبل أن تفاوض الاحتلال الأميركي، لأنهم لا يملكون ما يقدمونه للعراقيين، تماماً كما هم لا يملكون ما يقدمونه للفلسطينيين، أو لمضيفيهم السودانين، فكيف للبنانيين والسوريين؟!
ولقد أصاب غياب بعض »الكبار« عن القمة العرب بخيبة أمل مريرة، فها هو العدو الإسرائيلي يكاد يكمل تشليع ما تبقى من فلسطين ليسهل عليه ابتلاعها، بادئاً بالقدس الشريف التي توشك أن تضيع بغير وداع، وها هي »أزمة الصحراء المغربية« تطل برأسها مجدداً لتنسف »الهدنة« بين المغرب والجزائر.
بين كل قمة والأخرى تتراكم الأزمات متفجرة بدماء العرب، ويتمدّد الاحتلال الأميركي عبر قواعده التي بات لكل قطر منها نصيب، فمن أين ستجيء النجدة للعراق الذي يكاد يسبح بدمه؟ أو لفلسطين التي يكاد الاحتلال الإسرائيلي يفرغ من تمزيق أرضها إرباً بحيث لا تقوم عليها دولة ولو بشكل سلطة مفلسة بقرار دولي وممنوعة من تمثيل شعبها بحصار التجويع الذي يشارك في إحكامه »العالم الحر« مجتمعاً؟!
ذات يوم، قبل أربعين عاماً، حفظت قمة عربية في الخرطوم الحد الأدنى من التماسك العربي لمواجهة هزيمة ساحقة وفّرت لإسرائيل نصراً غير مسبوق..
أما اليوم فإن الخرطوم كانت تتوقع من القمة العربية أن تعينها، فإذا هي تثقل عليها بعجزها عن مواجهة هزائم عديدة أخرى، في فلسطين أساساً وفي العراق حيث المخاطر قابلة للتمدد إلى »دول الجوار«، فضلاً عن السودان ذاته وما يُدبّر له..
أما الأزمة بين لبنان وسوريا فليست على جدول الأعمال، ولعل هذا في مصلحة البلدين الشقيقين، إذ يظل حسمها ثنائياً وفي ما بينهما مباشرة هو الحل وتكون الرعاية العربية (وفوقها الدولية) هي الضمان.
مع هذا، يكفي شرفاً للسودان أنه استضاف قمة عربية أعطاها أكثر مما أعطته.

Exit mobile version