طلال سلمان

بعد قمة دمشق قبل قمة قاهرة

* * *
يمكن اعتماد هذا الموقف السعودي، معيارù لحالة الاستنفار التي استولدها »الانقلاب« الاسرائيلي، عربيù،
واذا كان بيان القمة الثلاثية في دمشق قد استعاد لغة قديمة بدا وكأن اصحابها العرب قد هجروها منذ زمن بعيد، فان الامير عبد ا” حاول ان يذهب في برقيته الى أبعد مما ذهب اليه البيان المرشح لان يؤسس لمرحلة جديدة في العمل العربي المشترك.
لم يعد ثمة مجال للصمت حتى عند الذين اشتهروا عبر تاريخهم بالتحفظ، والبعد عن اطلاق التصريحات وتحديد المواقف علنù، مفضلين دائمù اعتماد الدبلوماسية الصامتة، والحركة بعيدù عن الضوء.
انها لحظة الاستشعار الشامل بالخطر،
والقمة الثلاثية في دمشق لم تفعل الا تأكيد التنبه للتداعيات المحتملة، في حين ان القمة الشاملة في القاهرة، ستحدد سبل المواجهة المشتركة، على قاعدة بيان دمشق المعزز بنص البرقية السعودية، ودائمù على قاعدة الحد الادنى.
هذا مع الاشارة الى ان في بيان قمة دمشق اعادة اعتبار لكلمات مهجورة مثل: الامن القومي المشترك، المصالح العليا للامة العربية… وكذلك استذكار لروح بيان الاسكندرية، وتجديد للمطالبة بازالة اسلحة الدمار الشامل واخضاع السلاح النووي الاسرائيلي للرقابة الدولية الخ..
هل يعني هذا ان العرب يخرجون من »عاصفة الصحراء« عائدين الى الحد الأدنى من السلام في ما بينهم؟!
هل يعني هذا ان نتنياهو قد نبه العرب الى ان سراب السلام الاميركي لم يصمد أمام رياح التطرف الاسرائيلي، وانهم بالتالي مضطرون الى التلويح باعادة النظر هم أيضù في موقفهم من ذلك »السلام« الموءود ومن راعيه الاميركي الذي يبدو الآن أعظم عجزù منهم، وأسير مواقفه المرتجلة والمتسرعة والمنافقة والتي جعلته »ملتحقù« ببطل »السلام الاسرائيلي«؟!
ولكن لماذا استثناء العراق، بغض النظر عن الرأي في مغامرات صدام حسين؟!
والجواب: لم يكن ثمة خيار، فلا قمة مع صدام… ولأن القمة ضرورة، كان لا بد من استبعاد صدام مع الحرص على استحضار العراق، بهذه الصيغة او تلك، أو التمهيد لاستحضاره في وقت لاحق.
هل تعني القمة الثلاثية، المؤكدة والمعززة غدù بالقمة العربية، فتح باب التوبة أمام الراغبين بالتوبة؟! هل هو افساح في المجال أمام من اكتشفوا خطأ الهرولة للتراجع عن »تورطهم«؟!
هل هي محاولة لاحياء »مؤسسة القمة«؟! عودة الى الاطار الجامع؟ الى الهوية الواحدة؟ عودة الاحساس بالانتماء الى مجموعة، الى مصالح مشتركة، الى مصير مشترك؟!
ذلك ما يوحي به المناخ في دمشق اليوم..
* * *
ودمشق تتنفس الآن، ملء رئتيها: لقد تنبّه الجميع إلى نذر الخطر الداهم، وها هم »العرب« يستعيدون بعض وعيهم ويعودون إلى حقائق حياتهم، وبينها حقيقة »عدوهم«، كما أعاد تظهيرها فوز بنيامين نتنياهو، فيتلاقون من جديد، ولو على قاعدة الحد الأدنى.
والشعور بالارتياح الذي يعبّر عنه المسؤولون في دمشق لا تصاحبه أية أوهام: ليست هي العودة إلى وحدة الهدف أو وحدة الموقف، وشعارات الزمان الجميل الذي مضى، لكن التلاقي مجددù، وعلى مستوى القمة أمر حيوي جدù لحماية المصير العربي،
يقول نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام: إن نجاح القمة الثلاثية، كخطوة أولى، أرسى أسس نجاح مقبول للخطوة الثانية، على أمل أن تتوالى، بعد القمة الموسعة، الخطوات ولو قصيرة وبطيئة على الطريق الطويل لمواجهة الصعب.
ويقول وزير الخارجية السورية فاروق الشرع: الوضع العربي قابل للتطور نحو الأفضل. إننا نغادر أسوأ صوره، أسوأ مراحله، فلنأمل خيرù.
وتسأل عمّن سيحضر القمة العتيدة في القاهرة فيجيئك الجواب حاسمù: كلهم، لن يغيب أحد، أو لا مصلحة لأحد في أن يغيب عن تظاهرة التضامن هذه،
ويضحك ذلك الدبلوماسي المتقاعد بخبرته الدسمة وهو يقول: .. والبعض سيبيع حضوره، للأميركيين، أو ربما للإسرائيليين، بأنه إنما حضرها »لتهدئة« العرب الثائرين وضبط غضبهم عند حدود »العتب« وتفويت الفرصة على »المتطرفين« و»حماة الإرهاب من أعداء السلام«!
تجيء المصادفة خيرù من ميعاد حين نلتقي في شيراتون دمشق وزير خارجية قطر، الشيخ حمد بن جاسم بن جبر… ويسبقني إلى الدهشة متسائلاً:
أأنت هنا؟! ماذا تراك تفعل هنا؟!
وأمتنع عن إحراجه، علنا، بسؤاله عما إذا كان وجوده في دمشق إعلانù بعودة الإبن الضال إلى بيته، فإذا ما جلسنا معù قال بوضوح:
لن نخرج على الإجماع العربي، ولن نكون على الضفة الأخرى، لقد اجتهدنا، وللمجتهد أجران.. وكان شرطنا دائمù أننا نتقدم في العلاقة »معهم« بقدر ما يتقدمون على طريق السلام، فإذا ما نكثوا بالتزاماتهم والاتفاقات فلن نكون معنيين بالاستمرار في ما بدأناه..
سنناقش اجتهادكم، مرة أخرى، في ما بعد، أخبرنا الآن ماذا أبلغك نتنياهو في اتصاله الهاتفي معك قبل أيام؟
قال »رجل المبادرات« المباهي بشجاعته في اقتحام المحظور: لقد أبلغني أنه ملتزم بعملية السلام، وأنه سيعمل مخلصù لإنجاحها… فرددت عليه مشككù بما أسمعه منه، لأن كل ما صدر عنه، خلال الحملة الانتخابية أو بعد فوزه، يتناقض مع هذا الالتزام المزعوم.
ومكتب العلاقات والاتصال؟!
لا هم »وجدوا« مَن يؤجّر لهم بيته في الدوحة، ولا نحن رضينا أن يستأجروا جناحù في فندق شيراتون الدوحة، كما أننا لم نباشر تحركنا لإقامة مكتب لقطر في إسرائيل… (واستطرد:) أما خط الطيران فهو كذبة من البداية وحتى النهاية، وإذا ما اتجهت طائراتنا نحو فلسطين فستكون وجهتها مطار السلطة الفلسطينية في غزة.
* * *
ها هي مصر تعود، إذن، إلى دورها المفتقد،
لا أوهام هنا أيضù، فمصر لا تتقدم الآن رافعة شعار التحرير. إنها واقعية جدù، عملية جدù، تخاف من هذا »السلام القاتل« الذي يتهدّد الآن ومباشرة الفلسطينيين، ويظهرها وكأنها ضحية خداع، ويلغي دورها تمامù.
إذن فلكل مصلحته الذاتية في التلاقي،
ولعلها تكون أول قمة يحضر فيها الواقع ولا يغيب عبر تلافيف الجمل الإنشائية الفخمة والتي لا تطمئن مواطنù قلقù ولا تخيف عدوù طامعù.
المهم أنها مؤهلة لأن تشهد خروج العرب من حروبهم ضد بعضهم البعض وضد ذاتهم،
وذاك إنجاز تاريخي لو أنه تمّ فعلاً!

Exit mobile version