طلال سلمان

اولبرايت تكمل حرب ضد سوريا

اعدت مادلين أولبرايت المسرح جيدا في زيارتها الثانية، للطور الجديد من الصراع العربي الإسرائيلي، وتم اختيار دقيق لكل شيء: الموعد، أطراف اللقاءات وموضوعها المحدد، وهو ضمان الحصول على توقيع عرفاتي جديد على التنازل المعلن الجديد.
الزيارة الأولى، قبل عام تقريباً، كانت شاملة لعواصم القرار جميعاً تحت عنوان »التعارف والتعرف عن قرب إلى اسباب المشكلات وآفاق الحلول تمهيداً للتقدم بالعملية السلمية«.
أما الزيارة الجديدة فأشبه باعلان الحرب من طرف واحد على المتمسكين »بالعملية السلمية« والمطالبين باستئناف المفاوضات (السورية واللبنانية الإسرائيلية) من حيث توقفت، استكمالاً لاعمال مؤتمر مدريد.
نبدأ بالموعد: 6 تشرين الأول (اكتوبر) »المصادف« وقوعه في الذكرى الخامسة والعشرين لحرب تشرين اكتوبر العبور الغفران… تلك الحرب التي باشرها القرار العربي بانتصار باهر ثم كان التدخل الأميركي بالخديعة ثم بالجسر الجوي لنجدة إسرائيل بالسلاح، ثم بالعمل على تفتيت الجبهة العربية، بالاتكاء على انهيار السادات او انحرافه، لا فرق،
ثم.. ان يكون لزيارتها موضوع وحيد هو الضغط بحضورها لتبرير التنازل الجديد الذي سيقدم عليه ياسر عرفات، مقدماً المزيد من أرض فلسطين الى إسرائيل مسبغاً »الشرعية« على احتلالها (الدائم الآن، والنهائي؟!)، وبموجب اتفاق دولي ينقض ما قبله (من أوسلو الى الخليل) ولكنه يمهد لاتفاق مقبل سيسقط ما هو الآن تحت التوقيع.
ثم… ان يسبق الزيارة ويواكبها قرع طبول الحرب التركية على الحدود السورية الشمالية، ليشغل من تبقى في الساح من العرب بانفسهم، فارضاً عليهم تركيز اهتمامهم على الجبهة الجديدة التي »أشعلت« فجأة وبغير سابق تبرير او انذار، وموفراً في الوقت نفسه العذر لمن يريد الا يرى ما يحدث لفلسطين فيدعي انه لم ينتبه وانه بالتالي لم يستطع أن يمنع ما جرى؟
والثابت والمؤكد ان الحرب التركية ضد سوريا إنما تمت بتحريض أميركي مباشر، وعلى الارجح بقرار أميركي محدد التوقيت،
وليست مصادفة، بأي حال، ان تهدئ إسرائيل، فجأة، نبرتها العدائية تجاه سوريا (واستطراداً تجاه لبنان) وتوقف الجدل المصطنع والمستفز حول التنفيذ المشروط للقرار 425،
.. ولا هي مصادفة ان تعطى تركيا شرف السبق الى تأكيد قيام الحلف العسكري مع إسرائيل، مع ملحقه الأردني، وان تبدأ ممارسته على الأرض بتوسيع خطوط الجبهة لتمتد من الجنوب الى الشمال، مرورا »بالثغرة« الأردنية،
لقد حول التدخل الاميركي، بالسياسة والسلاح، النصر العربي في 6 تشرين الاول 1973، الى هزيمة شبه شاملة، زلزلت الأرض العربية وما تزال،
وها هي »الحرب« الاميركية الجديدة تحاول استكمال ما بدأ، وتثبيت النتائج السياسية النهائية على الأرض: شطب فلسطين كقضية، وشطب الصراع العربي الاسرائيلي كلية، وتصوير ما يجري على الحدود السورية الفلسطينية والحدود اللبنانية الفلسطينية وكأنه مجرد نزاع بسيط على »الحدود«، اخطر منه هذا الذي ينشر جو حرب جديدة في المنطقة، انطلاقا من »الشمال« التركي هذه المرة وليس من »الجنوب« الاسرائيلي!.
ثمة نوعان من العرب: »مسالم« طيع، كعرفات، يرضى بالقليل القليل من أرضه حرصا على »السلام«، ويتنازل لاسرائيل نتنياهو، لانه يثق بالعدالة الاميركية، و»مشاغب« بل »ارهابي« و»مخرب« و»معاد« للسلام الاميركي او الاسرائيلي لا فرق، كالسوري واللبناني استطرادا، وهو من يجب محاصرته ومن ثم تأديبه،
… ومن الافضل ان يتم التأديب بأداة »إسلامية«، ولو شكلا، ولا تستفز حركتها العرب مثل اسرائيل، فلتكن تركيا اذن، وقد كان!
انها حرب اميركية، خطة وسلاحاً وأهدافاً، سواء أتمت بالحليف الاسرائيلي أم بالحليف التركي، وبالتواطؤ الاردني دائما،
لقد اتسع مدى الجبهة، ليس إلا،
والتحدي مطروح على العرب كلهم، وليس على سوريا وحدها ومعها لبنان.
ونرجو ان يقنع تعاظم هذا التحدي الرئيس المصري حسني مبارك بالعودة الى موقعه الطبيعي كطرف اصيل في هذه المواجهة، وليس كوسيط،
خصوصاً وان عسكر انقرة قد عاملوه فعليا كطرف حتى وهم يجاملونه كوسيط!.

Exit mobile version