طلال سلمان

استثمارات هالكة مهلكة

يتزاحم اللبنانيون، هذه الأيام، على السفير الاميركي ليسمعوا منه أكثر ما يطربهم ويدغدغ »ماركنتيليتهم« وشبقهم الى الربح، ويا حبذا لو كان سريعا.

إنه يحدثهم عن »الاستثمار«، وهو ينوع النغمات على هذا الوتر: عودة المستثمرين الى لبنان، العودة الى الاسواق اللبنانية، فتح متاجر ومكاتب لشركات اميركية في لبنان، عودة الشركات الاميركية الى الاسواق اللبنانية، معاودة الاعمال ذات الشراكة المزدوجة اللبنانية الاميركية، الجمعية الاميركية اللبنانية لرجال الاعمال سوف تنتقل الى غرفة التجارة الاميركية في لبنان، وهي بذاتها خطوة كبيرة، وهي خطوة لم يتم اتخاذها في دول اخرى من العالم، اتاحة الفرصة لرجال الأعمال والمستثمرين الاميركيين بإقامة اعمال لهم هنا في لبنان.. ونحن ملتزمون كحكومة أميركية وشركات اميركية في المشاركة بمرحلة التطور الاقتصادي التي يمر بها لبنان.. وفرص الاستثمار الموجودة في لبنان هي المؤشر الايجابي لعودة لبنان الى حاله«.
لا اعتراض على مثل هذا الكلام الذي ينهمر مطرا في عز الجفاف،
وبديهي ان يكون صدى هذا الكلام منعشا في زمن الشح والضائقة المعيشية والتقشف والعجز في الموازنة وتفاقم كلفة الدين والركود الاقتصادي والنقص في الموارد.
وليس من حق احد ان يلوم السفير الاميركي او ينتقده اذا كان يوظف مثل هذا المنطق الذي يخاطب حس المصلحة عند اللبنانيين كاستثمار سياسي في لحظة دقيقة جدا تشهد فيها المنطقة تطورا مهما في سياق الصراع العربي الاسرائيلي في ضوء نتائج الانتخابات الاسرائيلية.
من فترة طويلة نسبيا »يبشر« السفير الاميركي في بيروت بتغيير دراماتيكي في اسرائيل من شأنه ان يجعل »السلام« قريبا جدا بل »واقرب مما تتصورون«.
من حقه الآن، واهتداء بمسلك رئيس بلاده، ان يتباهى بهذا النصر للسياسة الاميركية الذي تحقق في اسرائيل، فأزال من الواجهة ذلك المتطرف الغبي بنيامين نتنياهو، الذي صدع علاقات تل أبيب بحليفها وراعيها وحاميها (متى لزم الأمر) والموفر لها اسباب التفوق العسكري والتقدم الصناعي والانتعاش الاقتصادي، الولايات المتحدة الاميركية، وافقد اسرائيل اصدقاءها الكبار في اوروبا، وشتت شمل المهرولين الى التطبيع من العرب، واكثر من ذلك: صدع »الوحدة الوطنية« داخل الكيان الصهيوني.
اما وقد باشرت اسرائيل استعادة وعيها ووحدتها وتحالفاتها وصداقاتها، وبالتالي مركزها الممتاز دوليا، وتفوقها المطلق على العرب بمجموعهم، فلقد بات ممكنا تجدد الحديث عن »السلام«، وعن اهلية »البطل الجديد« ايهود باراك لعقد مثل هذه »الصفقة«.. بشروطه طبعا، التي لا بد ستكون »موضع تفهم« من طرف الحلفاء الاميركيين وسائر الاصدقاء الاوروبيين، كما من طرف »الشركاء« المفترضين من العرب.
لا بأس من بعض الرشاوى الاقتصادية مقابل المطالب السياسية،
ولا بأس من كثير من التطمينات حول النوايا السلمية للحكم الجديد، الذي على قوته يظل بحاجة الى مراعاة لظروفه الخاصة التي تملي عليه سياسة متشددة بعض الشيء حتى لا يزايد عليه خصومه من غلاة المتطرفين، سواء أكانوا ليكوديين ام متدينين، ساشيين ام بيغينيين الخ،
لقد قام الاسرائيليون بواجبهم فقدموا »بطلهم« المستعد للعودة الى طاولة المفاوضات، ولكن مع الاخذ بعين الاعتبار ان نجاحه كان مكلفا جدا، وعلى الجميع ان يشاركوا في دفع الحساب!
الآن الدور على العرب، وعليهم ان يدفعوا ما يترتب عليهم، أفلا يتطلب التانغو راقصين؟! وليس ثمة من »سلام مجاني« ومن يريد ان يأخذ فلا بد ان يعطي، ومن يطلب حسن النية عليه ان يبادر فيثبت انه مستعد لأن يسبق بالتحية والسلام!
للحديث عن الاستثمار الاميركي في لبنان، في هذه اللحظة تحديدا، دور سياسي مهم.. »فالسلام« هو الممر الاجباري للخروج من الضائقة المعيشية والركود الاقتصادي والتقشف الذي لا يشكل حلا، وربما وهذا هو بيت القصيد الى التخفف من عبء الديون، لا سيما الخارجية منها، وعلى غرار ما تم سابقا مع مصر السادات ومع اردن الملك حسين الخ..
لقد دفع العرب عموما، ولبنان خصوصا، ثمنا باهظا خلال فترة حكم نتنياهو، ودائما بذريعة محاولة لجمه من ان يحرق بتطرفه المنطقة ومعها البيت الابيض في واشنطن،
وها هم مطالبون الآن بدفع فاتورة خلع نتنياهو،
… ومطالبون بدفع فاتورة نجاح ايهود باراك، ومعه غدا مرشح كلينتون لخلافته على رأس الولايات المتحدة الامركية،
وكل هذه »استثمارات هالكة« بدلالات تجارب الماضي، فكيف اذا ما كان بعضها »تبرعات« من »اهل الخير« المهرولين من قبل ان يبدأ السباق وتستعد العدسات لالتقاط صور الاوائل من قاصدي الوصول؟!
ولبنان بحاجة الى الاستثمارات قطعا، لا سيما الاميركية منها، بشرط ألا تكون استثمارات مهلكة!
والمهم أن يبقى لبنان على حاله!!

Exit mobile version