طلال سلمان

على باب السراي الجديدة!

كنا نتمنى لو أن التجديد في سراي الحكومة قد جاء شاملاً فلا يقتصر على المبنى،
وتتبدى المفارقة مفزعة بين نظافة المبنى المجدد وأناقته ورشاقته وبين »المحاربين القدامى« الآتين وعليهم »وعثاء« مكافحتهم الهدر والاختلاس والسرقة أو بريق عرق الإنجاز لما كان يحسب في عداد المستحيل..
كنا نتمنى لو أن »أصحاب المعالي« كانوا في مثل إشراقة المبنى وأناقة مفروشاته المختارة، يعطون الناس بصورتهم كما بتاريخ ممارساتهم وعداً بجديد أو تجديد يختلف بل ويفترق عن هؤلاء الذين أكلوا على الدهر وعلينا وشربوا وما شبعوا،
لكن التمنيات لا تدخل السرايات، عادة، فإن هي دخلت صادرها أقرب الوزراء إلى الباب أو أطولهم باعاً أو فرض عليها رسم دخول وزير الضرائب..
على أن التهنئة بالسراي الجديد وانتقال طاقم الحكومة القديم إليها ليست موضوعنا تحديدا، بل الموضوع يتجاوزها الى التغييرات المبتورة أو التعديلات التي تتناول الشكل دون أن تمس المضمون، في الغالب الأعم في دنيانا العربية..
فاليوم بالذات تقوم بالأمر الملكي حكومة »جديدة« في الأردن، ليس فيها من »الجدة« إلا اسم رئيسها (وربما بعض الأسماء الأخرى)، لتنفيذ المهمة القديمة والثابتة والدائمة والتي عنوانها »اتفاق وادي عربة« مع العدو الإسرائيلي!
طارت حكومة »المياه الفاسدة« لكن حلم »السياسة الفاسدة« مستمر!
والتبديل شكلي تماما، وإن كان يفيد في منح ألقاب المعالي لعدد جديد من »الوجوه« وهي ضرورة من أجل تحسين الحالة الصحية للحكم العجوز والمريض..
إن الحكم بحاجة الى مزيد من الوقود.. وآلته الجهنمية تطحن الوعود والتعهدات فتحيلها إلى رماد، ويكون ضرورياً بين الحين والآخر الإتيان بمياه جديدة للطاحونة القديمة بل المتهالكة…
وقبل أيام كان ياسر عرفات قد أظهر استجابة للشكوى العارمة من الفساد وأهله الذين احتكروا »السلطة« داخل »الغيتو الفلسطيني«، فقرر إعادة تشكيل الحكومة… وبعد هيصة وزمبليطة وطبل وزمر ومدفعية معارضة ثقيلة ووعود عرقوبية أثقل، أعلن عرفات »حكومته« الجديدة فإذا هي القديمة معززة بمجموعة من اللصوص والمختلسين الجدد، مع تثبيت القدامى من اللصوص والمختلسين في مواقعهم إلى جانبه.
وهكذا اكتمل الحصار على ما تبقى من فلسطين فصارت ضمن كماشة تتكوّن من مجنون في تطرفه هو بنيامين نتنياهو ومن مريضين يعملان لخدمته هما النظام الملكي في عمان والسلطة الطائرة بين غزة وأريحا في الأرض الفلسطينية!
وأخطر من حصار المتطرف المجنون والنظامين الهرمين العاملين في خدمته ولحسابه وعلى حساب فلسطين هو »الفساد« المستشري الذي بات »مؤسسة« في المنطقة العربية عامة، وهي مؤسسة عاتية أقوى من الحكام والحكومات، وأعظم نفوذا من قوى التغيير بما لا يقاس، بل هي قادرة على تخريبها بالقمع أو بالشراء أو بالمخادعة التي تتلطى وراء استبدال فاسد بفاسد وترى في ذلك إصلاحا وتجديدا للنظام!
»لو دامت لغيرك ما اتصلت اليك«
لقد شاء رفيق الحريري أن يتوّج الإنجاز الذي يحمل توقيعه الشخصي، هذه المرة، بتجديد سراي الحكومة، بهذه الحكمة البالغة الدلالة بتذكيرها الحاكم بأنه إنسان، وأن كل سلطة زائلة، ولا يبقى من الإنسان إلا ما ينجز، فإن كان خيراً استذكره الناس بالترحم عليه وإن كان شراً لعنوه… وفي كل الحالات فإن آخرين سيأتون ليحكموا بعده، ثم يرحلون ليحل محلهم آخرون، »ولا يبقى إلا وجه ربك ذي الجلال والإكرام«.
لكن معظم الوزراء لن يقرأوا هذه الكلمة النذير، وهم إن قرأوها سيفترضون أنها موجهة لغيرهم، وإن هم افترضوا عرضاً انهم معنيون بها، فسيهدئ من روعهم يقينهم ان تنفيذ اتصال السلطة بغيرهم مرجأ حتى قيام الساعة!
ومع أن الافتتاح الرسمي للسراي الجديدة قد تم بأصحاب معال قدامى يسبقهم سوء السمعة وتلحق بهم اللعنات، فالمأمول أن يكون الاجتماع تأبينا لعهد مضى أكثر منه تدشينا لعهد آت، يكاد لا يستطيع القدوم لعظيم ما يثقل حركته من أمانيّ وتمنيات مرجأة ومن مهمات عطل تنفيذها القائمون بالأمر، بقدر ما يهد حيله عظيم ما ارتكب ويرتكب في العهد الممدَّد له من اختلاسات وارتكابات ومخالفات وإساءات الى النظام الديموقراطي ومؤسساته المفترضة.
»لو دامت لغيرك ما اتصلت اليك«،
مؤكد أن معظم أصحاب المعالي قد قرأوها بصيغة: »إذا هبّت رياحك فاغتنمها«… وهم غارقون في الغنيمة حتى آذانهم، فكيف تريدهم أن يروا فيقرأوا أو أن يسمعوا فيعوا؟!
مبروك. وعسى تتجدد السرايات من الداخل أيضاً!

Exit mobile version