طلال سلمان

على الطريق

خضراءَ كانت حياةُ الفتى النحيلِ الأسمرِ، الذي لم يشتكِ يوما من هولِ الصعابِ التي واجهته على امتداد 85 سنة. خضراءَ طريقُه، أزهرت على الدروبِ التي سلكها كلَّها، متمسكا بالحب، حب الناس، ومعهم ولأجلهم، مضى في طريق مكافحة الفقر والظلم، والنضال في سبيل الحق.

عاش فاتحا ذراعيه كحضنٍ كبيرٍ، ينهلُ بيدٍ العلمَ واللغةَ والمعنى والنور، وينثرُ بالثانيةِ حبا وخلاصةَ وجدانه وفكره وحروفه. بالصبرِ، والدراية والإيمان بالغد، واجَهَ أشواكَ الطريق كلها.

على الطريق، لم يعرف الفتى النحيلُ الأسمرُ الغربة، في القرى، والمدن والعواصم التي زارها كلّها. فبالحب، حب الناس، بألوانهم ومللهم كلها، عاش بقاعيا، وجبليا، وشماليا، وجنوبيا، وبيروتيا، ومصريا، وسوريا، وعراقيا، ويمنيا.. وقبل ذلك كلّه وبعدِه، فلسطينيا.

على الطريق، كان ينظرُ إلى أعينِ الناس كلّهِمِ وقلوبِهم، يراها، يقرأها ويكتب لها وعنها، ماضيها وحاضرها وغدها، كما تشتهيه، كما تستحقّه في مواجهة الظالم الذي لم يتوان عن محاولات اسكاته باستباحة دمه مرارا.

على الطريق، ناصرَ الحقَ لتحصين كل مقهورٍ بحياة كريمة: العلمُ، العملُ، العدالة، الفن، الفكر، الحرية… الكرامة الإنسانية.

على الطريق، كتب فاضحا التسلّطَ والتجهيلَ والإجرامَ، ومشى فاتحا السبيل للإبداع والحلمِ ولو على حافة المستحيل.

وكما أن “الهزيمة ليست قدرا”، خطّ أن الجهلَ والطغيانَ واستباحةَ البشر لم تكن قدرا. أما مقاومة الاحتلالِ الأخلاقي والفكري، مثل مقاومة العدو، فكانت، للفتى النحيل الأسمر، قدرا.

على الطريق، رسم طلال سلمان ملامحَ وجوهِ أبناءِ جلدتِه كلهم، تلك التي تشبه ملامحَه حدَّ التماهي، وخطّ نهجَ حياة وقناعةً ضد الخنوعِ والانحطاط، متمسكا بالأمل دوما، وبحتمية سيادة الحرية.

لم يتنصّلْ يوما من هويتِه، أو انتمائه، لم يحدّْ عن وجهتِه والمرادِ: أن نعيش أحرارا كراما.

اليوم حلّ أوان الرحيل.. في عزّ الغربة والغبن.. ومع أنك ستبقى حيا في كل ما يشبهك ويشبه ناسك، قلّْ من يرسم ملامحَ وجوهنا من بعدِكَ والطريقُ مازالت طويلةً شاقة؟

على الرغم من فداحة الفقدان، تبقى لنا الكلمات التي زرعتها في وجداننا على امتداد عقود: “ما أسرع السنين، ما أبطأ الأيام، ما أطول النهارات، ما أقصر الليالي. ما أقسى العيش، ما أمتع الحياة، ما أعظم الحرية، ما أحط القمع والعسف والاستكانة والاستسلام.

ما أمر الاحتلال، ما أشرف المقاومة. ما أتفه الـ “نعم” ما أكرم الـ “لا” مجلجلة وجليلة في وجه الظالم والمهيمن والطاغية والمحتكر والمغتصب والمستغل والطائفي والدخيل.”

إلى اللقاء يا كلنا.

(*) كلمة ألقاها احمد طلال سلمان باسم “عائلة طلال سلمان” في حفل تشييع والدهم في مسقط رأسه بلدة شمسطار.

Exit mobile version