طلال سلمان

على الطريق … والاعتراف بالعراقيين؟!

أما وقد “اعترف” صدام حسين بدولة الكويت، بحدودها الجديدة المنقحة والمزيدة، فهل آن الأوان لكي يعترف الكويتيون بالعراق؟!َ
تحت ضغط الحقد الأعمى وقصور العقل السياسي والمبالغة في الاعتماد على “المحرر” الأجنبي، توهم الكويتيون أنهم يستطيعون شطب “العراق”، بل هم شطبوا خريطته من كتبهم المدرسية، وطمسوا اللوحات الدالة على الطريق إليه في شوارعهم، وأحرقوا أو شوهوا أو أزالوا كل ما فيه ذكر أو إشارة لبلاد الرافدين أو بغداد وصولاً إلى خمريات أبي نواس التي يومئ فيها إلى دار الخلافة في عاصمة بني العباس.
أكثر من ذلك: فبقوة الحراب الأجنبية اقتطع الكويتيون بعض الأراضي التي كانت معتبرة “عراقية”، أو موضع نزاع، وضيقوا إطلالة العراق البحرية على الخليج “باستعادة” ميناء أم قصر، محققين بذلك شعار صدام في “إعادة الفرع إلى الأصل”!
أخطر من ذلك وأدهى: في ظل القوة الأجنبية “المحررة”، تواطأ الكويتيون مع صدام حسين ضد شعب العراق المعذب، والذي دفع من دمه ورزقه وسيادته على أرضه ووحدة ترابه الوطني، ضريبة أثقل بما لا يقاس مما دفعت الكويت، خلال مغامرة الغزو الحمقاء وبعدها وحتى اليوم.
وما زال ذلك التواطؤ قائماً، والاعتراف الجديد خطوة ضمن سياق التواطؤ لا خارجه. فصدام حسين مستعد لأن يفعل أي شيء مقابل أن يبقى حاكماُ مطلقاً ولو فوق عرش من الجياع والبائسين والمرضى الذين لا يجدون دواء والأطفال الذين يعز على ذويهم تأمين الحليب اللازم لهم.
بل إن العراقيين الذين دفعوا من لحومهم ومستقبلهم أعباء الغزوة الخرقاء ضد الكويت، يدفعون اليوم أعباء الارتداد عنها، ومرة أخرى من دمائهم وأرواحهم وترابهم الوطني ومن حق أطفالهم في الحياة.
وليس من مصلحة الكويتيين ، الآنية أو في المستقبل، أن يتوحدوا مع صدام حسن في عيون العراقيين، وأن يكونوا شركاءه في إهدار دم العراق،
لقد أجبر الكويتيون “العالم” – بقوة نفطهم والمصالح الغربية – على الاختيار بين العراق (كله) وبين دولة الكويت. وأول من يتوجب عليه أن يتراجع عن مثل هذا الخيارالبائس هم الكويتيون.
فالعراق باق، ولمصلحة الكويت أن يبقى، وأن يبقى سليماً، معافى، والأهم: موحداً. فإذا ما أضير العراق فلن تسلم الكويت. ولن ينفع العرب أو العالم أن يربحوا الكويت ويخسروا العراق، ولا يجوز أن تفرض مثل هذه المفاضلة الشوهاء.
دائماً، ومن قبل صدام حسين، كانت ثمة مشكلة بين العراقيين وبين “دولة” الكويت.
ولقد أتاحت ظروف المأساة ، التي فرض على “الشعبين” الشقيقين أن يعيشاها نتيجة للمغامرة الحمقاء، الفرصة التاريخية لتصحيح تلك العلاقة المعتلة بالتضامن المطلق في وجه الطغيان والتفرد والمهووسين بالحروب ذات الجوائز.
والمدخل: أن تتوقف الحرب الكويتية الشعواء على العراقيين، كل العراقيين.
سيظل العراق شعباً عظيماً وعريقاً، مجده مجد للأمة، وانتكاساته خسارة قومية فادحة. ولن يزول العراق لا بقرار أخرق يتخذه صدام حسين، ولا بغارة كونية يشنها “التحالف الدولي”، ولا بأحقاد من وطنهم نفطهم أو بأحلام أولئك المتوهمين أن بلادهم ستغدو ولاية أميركية.
لقد قال صدام حسين عند غزوه الكويت أنه ذاهب لتحرير فلسطين، فلم يحرر غير إسرائيل… وقد حررها من فلسطين أولاً، ثم من الأردن ومن العراق ومن الكويت وسائر الخليج،
كذلك فهو قد “حرر” كل الطامحين إلى الانتقال إلى صف “العدو”.
فلنأمل ألا يكمل الكويتيون ما بدأه صدام حسين،
وأول خطوة مطلوبة منهم: وقف حربهم على العراقيين، أهلهم ومصدر مجدهم في الماضي والحاضر والمستقبل.

Exit mobile version