طلال سلمان

على الطريق عتاب في مجال الترحيب

قد يكون خروجاً على اللياقة أن نستقبل وزير خارجية مصر الذي يصلنا اليوم ليمضي بضع ساعات في غابة المتناقضات اللبنانية التي تستعصي أحياناً على التحليل العلمي ، بعتاب قد يتطرف إلى حد اللوم… لكن كتم المؤاخذة عن الغياب لا يساهم في إنجاح الزيارة التي تأتي متأخرة عن موعدها، فضلاً عن أنها قاصرة عن إنجاز ما يرتجيه اللبنانيون من إخوانهم العرب عموماً، ومن مصر بالذات، مما فات موعده..لكن أول موجبات الأخوة أن نصارح الوزير أحمد أبو الغيط أن اللبنانيين الذين يفتقدون كما غيرهم من العرب المرجعية العربية كانوا وما زالوا على ثقة من أن مصر، تحديداً، قادرة على لعب دور حيوي وفعال في منع تفاقم الأزمة السياسية وتحولها إلى مسلسل من الفتن الطائفية والمذهبية المؤهلة لأن تنسف أي مشروع للحل (خصوصاً مع المجهود الاستثنائي الذي تبذله الإدارة الأميركية للتخريب..)…. ولطالما اطمأن اللبنانيون إلى صورة الأم في دور مصر، المؤهلة لأن تتجاوز الحساسيات بين الأديان والطوائف، فلا شعبها يعرف التعصب ولا دولتها من الضعف أو التطرف بحيث تتحزب لفئة، أو تنصر طائفة على أخرى….. ثم إن مصر، وبرغم مشكلاتها الداخلية وهي ثقيلة الوطأة وضاغطة على قرارها السياسي، ما تزال تحتفظ بصلات أخوية طيبة عموماً مع مختلف الدول العربية، وتستطيع بالتالي أن تلعب ما يتجاوز دور الوسيط أو الناصح إلى واجب الشقيقة الكبرى، الحريصة في زمن البؤس على الحد من الأضرار إن هي لم تستطع تحقيق الإنجازات أو المكاسب القومية التي بات يعز على المواطن العربي أن يحلم بها..وربما كان من المبالغة الافتراض أن مصر بنفوذها المعنوي قادرة على مواجهة أطراف الصراع على لبنان وفيه، (وبينها قوى دولية نافذة في القاهرة، أساساً، ثم في مختلف العواصم العربية والإقليمية…).لكن من المبالغة في الاستضعاف بالمقابل أن تتوارى مصر خلف مشكلاتها الثقيلة، وأن تغرق في همومها، وأن تُسقط من حسابها أن دورها العربي المفتقد هو أحد عناصر قوتها فضلاً عن أنه حق شرعي لها، بحكم تاريخها وعلاقاتها بأهلها في بلاد الشام ، وهو دور محجوز لها لا يقبل التجيير أو تفويض الآخرين به إلا متى استنكفت هي عن لعبه.وبغير ما رغبة في اتخاذ موقع الناصح أو الواعظ أو المرشد فإنه لمن البديهيات القول إن الدور العربي لمصر يقويها ولا يضعفها، ويعزز موقعها في مواجهة الصديق الأميركي الكبير الذي كثيراً ما يتلذذ بتجريحها أو يتعمّد شطب دورها العربي ليستضعفها بل وليسترهنها بعزلها عن محيطها الطبيعي وضرب أمنها القومي بالاشتراك مع إسرائيل في مجالها الحيوي الذي يضم هذا المشرق جميعاً من فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي إلى العراق تحت الاحتلال الأميركي.. وهما شريكان متكاملان.إن اللبنانيين يحفظون لمصر الملكية دورها في تزكية انضمام لبنان إلى جامعة الدول العربية… ويحفظون لمصر جمال عبد الناصر أنها أسهمت إسهاماً جدياً في توطيد الوحدة الوطنية، بأن وفرت الضمانة العربية لاستقلالهم الذي يمنع انزلاق لبنان إلى الأحلاف الأجنبية والمشاريع العديدة التي طرحت لإعادة استعمار المنطقة (الدفاع المشترك، حلف بغداد، مشروع إيزنهاور إلخ)، ويحفظ له بالأساس هويته العربية ودوره العربي المحجوز له دائماً لخصوصيته..وإذا كان من الأفضل التجاوز عن دور السادات الذي نقل مصر من موقعها الطبيعي إلى موقع مضاد لدورها المطلوب والضروري عربياً، فإن العرب عموماً يحفظون للرئيس حسني مبارك أنه حاول أن يعيد إلى الدور توازنه، بقدر ما سمحت الظروف القاسية التي فرض على مصر أن تواجهها، والتي غالباً ما كان مصدرها الصديق الكبير وحليفه الأبدي: إسرائيل.باختصار: لا حل في لبنان أو لأزمته من دون العرب. والعرب باختصار ومع الاحترام للجميع، هم مصر وسوريا والسعودية. ولا تستطيع الإدارة الأميركية أن تدعي الوكالة عنها جميعاً أو حتى عن بعضها، فإذا ادعتها فإن اللبنانيين سيرفضونها.ويعرف اللبنانيون أن مصر حسني مبارك تستطيع المساعدة جدياً مع كل من سوريا والسعودية، وشرط هذه المساعدة أن تصلح ما أفسدته بعض المواقف أو ردود الفعل بين دمشق والرياض اللتين كانتا في الماضي القريب بين ركائز الاستقرار في لبنان، واللتين لا بد منهما للاستقرار غداً. ومعهما القاهرة دائماً.وإذا كان من المبالغة أن نطلب من مصر أن تردع الإدارة الأميركية عن جهدها التخريبي في لبنان، لأسباب تتصل بأزمتها المتفاقمة خطورة في تعاملها مع هذه المنطقة، فلا أقل من أن تلعب مصر الدور التوفيقي المطلوب بين العرب، لعقلنة المطامح الأميركية ، خصوصاً أن الكثير منها قد تحقق… كثمرة للضعف العربي المستشري، والذي يمكن أن نقرأه في الدماء التي تغطي بالأحمر أرض السواد في العراق وتغطي بالأسود ذوي الضحايا الكثر نتيجة الاجتياحات الإسرائيلية للفلسطينيين وما تبقى من السلطة في الأرض المقدسة، على مدار الساعة… وإذا كانت مصر اليوم لا تستطيع رد القضاء الأميركي فإنها تستطيع بالتأكيد أن تلطف منه بتوافق الثلاثي العربي الذي سيتحمّل كثيراً من الضرر الذي سوف يصيب لبنان إذا ما تفاقمت أزمته السياسية فانفجرت… متسببة في كثير من التفجرات في المحيط العربي وكله قابل للاشتعال!

Exit mobile version