طلال سلمان

المهرولون العرب وبطلهم الجديد!

من اطرف التعليقات الموجعة على مواقف بعض »العرب« من نتائج الانتخابات الإسرائيلية: لكأن الذي فاز هو »باراك الدين الأيوبي«!
أما أرصن او ادق تعليق فقد صدر عن قيادي عربي متميز إذ قال: انها هزيمة لنتنياهو، لكنه انتصار لإسرائيل.. ولقد كان من مصلحة العرب عموماً، وسوريا ولبنان والفلسطينيين على وجه الخصوص، أن يستمر ذلك الطاووس الأرعن لأربع سنوات أخرى. لو تم ذلك لفقدت إسرائيل آخر صديق في العالم، بدءاً بالأميركيين مروراً بالروس والأوروبيين عموماً، وانتهاءً بمن قبلها وانفتح عليها من العرب والمسلمين.
»الآن ومع باراك، المرشح العلني للولايات المتحدة الأميركية، و»رفيق« بعض ابرز رؤساء الحكومات في أوروبا في »الاشتراكية الدولية« من اصحاب نظرية »الطريق الثالث«، ستكون المواجهة العربية صعبة جداً. سيكون العالم اقرب الى باراك، العسكري الشرس والذي يغطي تطرفه الفعلي بحماقة نتنياهو… وسيبدو المتمسك بحقوقه من العرب وكأنه هو »المتطرف« و»الرافض للسلام« وربما وُجهت إليه مجدداً تهمة الارهاب!«.
… وها قد عاد المهرولون العرب الى الميدان!
ها هي تصريحاتهم تتوالى مرحبة، مهللة، تتحدث عن »الانتصار« بأكثر مما فعل الرئيس الأميركي بيل كلينتون الذي اعلن سعادته للتخلص من »وجع الدماغ« الذي كان يسببه له نتنياهو، وأعرب عن امله بأن يكون فوز باراك فرصة لإحياء »العملية السلمية«.
ولزخم الاندفاعة التي انخرط فيها »الاخوة المهرولون« فإنهم لم ينتبهوا الى »المبادئ الخمسة« التي حددها باراك نهجاً له، ولا هي استوقفت اندفاعهم او لجمته، ولا هي ألزمتهم بحد أدنى من التحفظ او الترقب او انتظار الممارسة العملية.
انهم يعرفون، والعالم يعرف، ما يكفي عن باراك. وهذا المعروف عنه لا يبرر كل هذه التوقعات والمراهنات على انه »بطل السلام«، الآتي فقط ليكمل ما سقط دونه »قائده الشهيد« اسحق رابين!
لكأنهم هم الذين انتخبوه فارضين عليه برنامجهم السياسي.
لكأنهم يملكون ان يحاسبوه فيعزلوه مثلاً، بقوة تأثيرهم دولياً وعلى »الرأي العام الإسرائيلي« الذي يصوَّر الآن وكأنه مجاميع من الحمائم، او وكأنه كان ضالاً فاهتدى، او كأن بنيامين نتنياهو كان شواذاً بوصفه المتطرف الوحيد فيه.
إنهم يلخصون »الصراع« جميعاً بالشخص: هو الحرب او هو السلام، هو »إسرائيل« وهو حاصل جمع إسرائيل والأميركيين والأوروبيين، وهو الممثل الشرعي والوحيد ليهود العالم جميعاً، متدينين وشاسيين، ليكوديين وبيغينيين ومن هم على يمين هؤلاء… ان كان بعد ثمة يمين!
وما من شك في أن ثمة العديد من رموز اقصى التطرف قد سقطت فأخرجت نفسها من الحياة السياسية، مدللة على ان الفشل مكلف في »مجتمع« يحاسب قياداته على عجزها او قصورها عن تحقيق برامجها المدّعاة على انها سقطت لأنها غبية وليس لأنها متطرفة فحسب.
ولقد عاقب هذا »المجتمع« الاغبياء من المتطرفين، وأسقط الذين تخطوا الخطوط الحمراء في تطرفهم، فاصطدموا بغير مبرر بالإدارة الأميركية الحليفة وبالأصدقاء الأوروبيين وأخافوا فنفروا الملتحقين بهم من العرب المهرولين الى سراب سلام لم يقاتلوا من أجله ولم يدفعوا من دمائهم ومصالحهم ومواردهم وضمانات حياتهم، ولذلك فهم لا يدققون كثيراً في طبيعته، وهل هو »يعطيهم« أم انه »يلغيهم« ويجعلهم في مرتبة العبد الرقيق؟!
هنا تبدو المفارقة مفجعة: فالإسرائيليون قد حاسبوا قادتهم فخلعوا من تسبب لهم بالخسارة، وجاؤوا بمن يفترضون انه سيحقق لهم مطامحهم او مطامعهم التي لخصها باراك بأنها »الأمن مع السلام« وعدم العودة الى حدود حزيران 1967، والاحتفاظ بالقدس موحدة وعاصمة أبدية لإسرائيل ومنع قيام دولة فلسطينية فعلياً (حدود دولية، جيش، سيادة و.. القدس) الخ.
أما المهرولون العرب فيتصرفون وكأن الإسرائيليين قد أعادوا إليهم الاعتبار، وكأنهم هم الذين فازوا ديموقراطياً!! ولا يبدو عليهم انهم يخافون الحساب أو العقاب ما داموا بحماية »البطل« إيهود باراك الآتي باسم السلام
… وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته!

Exit mobile version