طلال سلمان

اذلال اميركي للعالم عبر العرب!

أثبتت الصواريخ والطائرات الحربية الاميركية ان العالم قد تصاغر حتى صار قرية كونية ضيقة تصلح، بالكاد، كحقل للمناورات بالذخيرة الحية، او بالاحياء من البشر من ذوي البشرة السمراء والفائضين عن الحاجة عشية القرن الحادي والعشرين الاميركي كما الذي قبله حسب تعبير كلينتون!
ها هي الصواريخ المدمرة والطائرات الحربية عابرة المحيطات تخترق الفضاء الكوني جميعا، فتطأطئ الامم والدول والمنظمات رؤوسها حتى لا تسقط سهوا او ضحية خطأ في الحساب.
لقد اخترق القرار الوحشي لأضعف رئيس اميركي، والمهدد بالخلع، المجتمع الدولي ممثلا بالامم المتحدة ومجلس الامن، ثم الاتحاد الاوروبي الذي نجح في توحيد عملته ولم ينجح في توحيد سياسات دوله، والاتحاد الروسي، والصين واليابان و»النمور الاسيوية« طيبة الذكر،
.. واخترق منظمة عدم الانحياز، ومنظمة الوحدة الافريقية، والمؤتمر الاسلامي،
… واخترق »الليل العربي« الساجي والممتد فوق المؤسسات العتيقة وفوق الانسان المسحوق: جامعة الدول العربية، ميثاق الدفاع المشترك، قرارات القمة او القمم، مجلس التعاون الخليجي، دول اعلان دمشق، المغاربية الخ..
… واخترق التنظيمات الشعبية والاحزاب والشعارات النضالية المنسية جميعا، سواء تلك التي تتحدث عن الوحدة او التحرير، او التي تبشر بالعزة والكرامة او السيادة والاستقلال او العدالة الاجتماعية والقرار الوطني المستقل الخ..
… واخترق الدين والمصالح، الاخلاق والقيم الانسانية جميعا،
ولعل بعض ما يعزي »العرب« ان الاذلال الاميركي قد أصاب الدول والمنظمات كلها، غربا وشرقا، وان المعترضين او المحتجين انما كانوا يتحدثون ورؤوسهم في الارض، فالكلمات لا توقف الصواريخ ولا تسقط الطائرات المغيرة.
* * *
في السياسة يمكن ان يقال الكثير، على ان بين اخطر النتائج ان القرار الاميركي، ولو صدر عن اضعف رئيس، سيقرر المصائر في اربع رياح الارض،
لكأن العرب عموما من العراق المستباح مرارا وتكرارا، الى ليبيا، الى السودان، هو »كيس الرمل« الذي »يتمرن« به الاميركيون، وانهم كلما ارادوا ارهاب شعب من شعوب العالم التي قد تفكر بالتمرد لجأوا الى ضرب العرب بعنف، فخاف الآخرون وخضعوا.
بات واضحا ان ضرب العرب عموما، والعراق خصوصا، لا يستولد أي رد فعل مؤثر: بعض التظاهرات الصغيرة والانفعالات الفورية هنا وهناك، وتحرك جماهيري واسع وبلا افق في فلسطين المحتلة، ثم بعض التعليقات الصحافية »القوية« وبعض التصريحات الرسمية الركيكة والتي تهزل معانيها بين »حرب« واخرى فتكون في »مواجهة« الاولى اقوى منها في »التعليق« على الثانية.
الأخطر ان القرار الاميركي، وبرغم صدوره عن رئيس مهدد بالخلع، قد وفر لنفسه التغطية العربية، فالكل قد حمل صدام حسين المسؤولية عن الحرب التي ستقع، والتي لن تمس صدام بأي ضرر، ولكنها ستدمر العراق وستفتك بشعبه اطفالا ونساء وشيوخا، وستنسف جامعاته ومدارسه ومستشفياته وبنيته التحتية عموما، او ما تبقى منها،
العجز الداخلي يكمل العجز العربي في الخارج،
لا القوى الوطنية التقدمية القومية الاسلامية الخ المؤهلة لقيادة التغيير في العراق من الداخل وفي الداخل موجودة وقادرة،
ولا احد يرغب او يستطيع، في الخارج، ومن الخارج ان يتورط في إطلاق زلزال التغيير، ولا تستحق وعود السي.آي.اي ودولاراتها والعملاء الذين تحضرهم اي التفاتة، فهي لو تمت ستكون رصاصة الرحمة على العراق..
وهكذا تقلع الطائرات الحربية الاميركية (والبريطانية) من قواعد »عربية«، وتعبر الصواريخ فضاء دول »عربية«، فيحني الجميع رؤوسهم للقدر الاميركي ثم يبكون بدموع التماسيح على اهلنا الابرياء في العراق الذي تمزق اوصاله علنا..
فإذا كانت الغارات تتم في الليل العربي البهيم فإن النتائج السياسية والاقتصادية تفرض نفسها كضوء الشمس: العراق ينزف دمه وسائر الدول العربية تنزف اضافة الى الكرامة والسيادة والعزة الخ ثرواته الطبيعية ووزنها »الدولي«.
… والنهايات لن تتأخر في الاعلان عن نفسها،
وكأنما يراد ان ينتهي الانسان العربي، اولا، وبعد ذلك يمكن التفكير بمصير السلاطين الخالدين.
العراق بداية سيكون لها ما بعده، وهو ابشع من اي تصور كابوسي.
وذريعة صدام حسين وطغيانه لا تكفي لتبرير ما سوف يكون، خصوصا وان النتائج لن تفرق بين من ايده او سكت عن جرائمه او دعمه او اعترض عليه،
فكل العرب عراق،
والتدمير يصيب كل العرب في حاضرهم وفي مستقبلهم،
… فكيف لو كان الرئيس الاميركي محترما وقويا لا يتهدده الخلع نتيجة فضائحه الجنسية، وهي للمناسبة أقل خطرا بما لا يقاس من جرائمه السياسية.
مرة أخرى: كل العرب عراق!

Exit mobile version