طلال سلمان

على الطريق يقولون عنا…

أزهى صورة للوضع في لبنان هي هذه التي نراها (؟!) ونحن في داخل لبنان!
ففي ما بعد دمشق (ولارنكا واستطراداً أثينا) تكاد لا تجد أثراً للبنان، وتكاد لا تسمع عنه إلا من بعض الاذاعات التي تبيع أخبارها وبرامجها بالقطعة!
صار لبنان، في معظم أنحاء العالم، مجرد خبر أمني، كحوادث سقوط الطائرات أو تفجر البراكين وتشقق الأرض أو سقوط الصواعق أو خروج القطار عن خطه، ولهذا فقد غاب عن الصفحات الأولى للصحف العالمية، واختفت تقريباً رسائل الموفدين الخاصين إلى بيروت، كما غاب عن صفحات الرأي والتعليقات وزاوية بريد القراء!
الجانب الأشد إيلاماً في هذه الحقيقة إن لبنان صار خبراً مضجراً لكثرة ما تردد ذكره مرتبطاً بالدم والدمار والموت واستحالة الوصول إلى حل!
يسألك العربي، أو الأجنبي بكثير من السأم والمرارة وربما الشماتة: ها .. أما تزال الأمور سيئة في بلادكم؟! كم قتيلاً سقط اليوم؟! ألن تتفقوا وتوفقوا هذا النزف؟!
في بعض الحالات تستشعر في لهجة السائل بقايا عقدة ذنب، خصوصاً إذا ما تطرق الحديث إلى ذكر الجنوب وفظائع الاحتلال الإسرائيلي، لكن المؤسف إن صورة بيروت وما يقع فيها ولها وعلى “محاورها التقليدية” وفي قصور الحكم المطلاة عليها، تغطي على نجمة الصبح الجنوبية وتلغي الكثير من ملامح “القضية” تاركة للأحداث اللبنانية طابعاً هو بين العبثية والجنوب والمضحك المبكي!
تحاول أن تؤكد على المضمون والجوهر الأساسي في الصراع، مستخدماً كل براعتك في الجدل وما اختزنته ذاكرتك من المعلومات ودروس التاريخ، فتصدمك الأسئلة والتساؤلات التي تنهال عليك فتهز يقينك بجدية تحليلك، خصوصاً وإنها مرتبطة بوقائع الحياة السياسية اليومية في حين إن تحليلك فيه كثير من الافتراضات والتمنيات أو الحرص على سمعة البلد!
يسألك أحدهم بحنق : – كيف تريدين أن أفهم قضيتك وأنتم في بلادكم مختلفون بعد على طبيعة العدو؟! بعضكم يرفض أن يصنف إسرائيل عدواً، بل ويتعاون حتى هذه اللحظة معها، فأين تريدني أن أقف؟!
وحين تهم بمناقشته يمطرك بالأسئلة التفصيلية: – هل رئيسكم كتائبي أم لا ؟! لقد وصل إلى الرئاسة لأنه، كما فهمنا نحن في الخارج، كتائبي ، حسناً لقد عقد هذا الرئيس اتفاقاً مع إسرائيل، ثم ألغاه تحت ضغط سوريا والأطراف اللبنانية المتحالفة معها، لكن حزبه ما يزال على علاقته بإسرائيل… لا تدخلني في الدوامة فلست معنياً بأن أميز أمين الجميل عن بيار الجميل، ثم بيار الجميل عن حزب الكتائب، ثم حزب الكتائب عن “القوات اللبنانية” ثم “القوات” عن “الجبهة اللبنانية” ورئيسها كميل شمعون، ثم هؤلاء جميعاً عن مكتب “القوات” في القدس المحتلة، كما تريدني أن أسميها، ما أعرفه أنا، وكل غير لبناني، إن فادي أفرام وإيلي حبيقة وكريم بقرادوني ونجاريان وحتى هذا اليزبك، كلهم أعضاء فعليون في حزب الكتائب، فكيف تريدني أن أقبل ما تقبله أنت منهم: أربعة أو خمسة مواقف من الموضوع ذاته؟! أمين الجميل كرئيس للجمهورية يلغي الاتفاق مع إسرائيل، وبيار الجميل كعضو في الحكومة يقبل بقطع العلاقات مع كوستاريكا لأنها نقلت سفارتها إلى القدس وفادي أفرام يكاد يرفع شعار إسقاط الحكم لأنه ألغى “الاتفاق” ويزبك يختال في “سفارته” بالقدس مزهواً بتحالف “من يمثل” مع الإسرائيليين بوصفه ضمانة وجود للمسيحيين؟!
ويسألك آخر بكثير من اللؤم: – قرأنا خلال مؤتمر لوزان إن اتفاقاً قد حصل بين زعمائكم التاريخيين حول الجيش، بين بنوده إلغاء الطائفية فيه، قيادة وقاعدة، وإعادة النظر في طبيعة مهمته ودوره وبالتالي في عداده وعدته وحجم الاتفاق عليه، وقيل أيضاً إن تبديل القيادة الحالية أمر مفروغ منه، خصوصاً وإنها ستحاسب على ما فعلته في الضاحية وبيروت… الآن نسمع ونقرأ نقاشاً حول وضع قيادة الجيش ذاتها، وهل تقال أم تبقى، ويقال لنا إن المشكلة في شخص البديل، فالمرشح واحد أحد هو من الطائفة نفسها ومن اللون نفسه بل وثمة من يتهمه بأنه أشد تعصباً، فهل “طار” الكلام الأول كله؟! لم تعد المشكلة في طبيعة بناء المؤسسة ودورها، واستطراداً في أشخاص أصحاب المواقع القيادية وانحصرت في المفاضلة بين صفات هذا الضابط الكتائبي وذاك؟!
ويسألك ثالث بتهكم: كيف تريدنا أن نقبل واقعة كمثل رضا زعمائكم التاريخيين في الاشتراك بحكومة وحدة وطنية ثم اختلافهم على بيانها الوزاري؟ كيف يدخلون في حكومة واحدة وهم مختلفون “عل كل سطر” كما قال بعضهم؟ فإذا كانوا متفقين على الحكم معاً فكيف يختلفون على نص يجسد ويحدد اتفاقهم على صيغة المستقبل، وإذا كانوا مختلفين إلى هذا الحد، فلماذا سخروا من الناس وأوهموهم بأنهم قادمون لإنقاذ البلاد؟!
وقبل أن ترد بكلمة يضيف بشيء من الألم: – كم دفعتم حتى اليوم ثمناً للاتفاق على تشكيل الحكومة ثم على مشروع البيان الوزاري؟! إن كل سطر في هذا البيان الأسطوري كلفكم مزيداً من القتلى والجرحى والدمار، حتى ليقال إنه كتب بدمائكم فعلاً، ومع ذلك فليس مؤكداً إنه سيؤدي إلى تفاهمكم والبعض يتخوف من أن يؤدي إلى زيادة التفسخ والانقسام الطائفي في بلادكم، فأين المنطق وأين العقل وأين احترام حياة الإنسان، حتى لا نقول كرامته أو حقوقه الطبيعية؟! لقد تحكمت المدافع بالبيان، فحذفت وألغت ولعلها أضافت، وهي قد تتحكم غداً بالثقة ثم بقدرة الحكومة على ممارسة مسؤولياتها، فكيف تريدنا أن نقتنع بأنكم صائرون إلى اتفاق ولو محدود يصلح أساساً لهدنة تصلح مدخلاً إلى تسوية تصلح لأن تكون بداية وفاق وطني على صيغة محددة للبنان الدولة ومشروع الوطن المرجو؟!
ويسألك رابع بشيء من القلق المعتبر عن تعاطف : – وأين مطامح شبابكم وأحلام التغيير؟!َ إن الورد لا ينبت في المستنقعات الطائفية، فلماذا تحاولون المستحيل وتتوهمون ما لن يكون؟! يجب أن تغيروا واقعكم لتسمق شجيرات الورد وليمكن لأكمامها أن تتفح وأن تنشر أريجها في كل مكان؟! هل تستطيعون تحويل الحرب الأهلية إلى ثورة؟!
إن كنتم تستطيعون فهيا، وإلا فارحموا أنفسكم ومن تبقى منكم على قيد الحياة؟!
وقبل أن تقول كلمتك يستدرك صاحبك فيقول بحرقة: – ما أصعب أن تكونوا محاصرين بين حلم الثورة الضرورية والمستحيلة وواقع الاقتتال الطائفي البغيض والكريه والمعتمد من مختلف الأطراف!! ولكن عليكم إيجاد طريقة ما لحماية الحلم والوردة والحق بغد أفضل.. ألا تستطيعون تغيير مسار الرصاص؟!
الشهادة لاأخيرة سمعتها من صحافي فرنسي طالما غطى أحداث لبنان، وكان يستوطن “حلمنا” البهي بالغد الأفضل قال لي : – أتعرف إلى أين قصدت بعد بيروت؟! إلى مهرجان كان السينمائي!! لقد كانت صدمتي عظيمة، حين رأيت الوحش الطائفي يلتهم إشراقة بيروت العظيمة في بداية شباط الماضي.. أفلا تستطيعون قتل الوحش؟! في أي حال قد أرى ذلك في السينما فاتعزى، ولكنكم كشعب تملكون مواصفات عظيمة تؤهلكم لإنجاز هذه المهمة الجليلة، فليوفقكم الله!!
.. والمدافع في بيروت ما تزال تهدر لتعدل بدمائنا سطوراً في مشروع بيان لحكومة هي في أحسن الحالات مشروع اتفاق على المشروع في مفاوضات من أجل أن نتمكن من الحديث عن المستقبل بغير أن ننسف الحاضر وما تبقى من البلاد وأهلها!
ومع ذلك فلن نفقد الأمل، ولن نهاجر ولن ننتحر!
وسنظل ندعو إلى تصحيح مسار الرصاص نحو الهدف الصحيح، لننقذ الحلم والوردة ومشروع الوطن!

Exit mobile version