طلال سلمان

على الطريق يا موارنة لبنان: هل تريدون الوحدة؟

ولقد بات مشروعاً، بل واجباً ملحاً طرح هذا السؤال العالق في الحلق كما الشوك يجرّح الروح ويستنبت القلق ويطارد الشعور بالأمان ويهز الغيمان بالثوابت والبهديهيات.
تقرأه في العيون المسهدة بهم المصير، وفي اختضان الأم بكل اللهفة لابنها كأنما لتحميه من شبح الخطر الداهم وقد اقترب منه حتى داناه، يكاد يخطفه منها أو يخطفها منه ويهددها به ويهدد مستقبلها فيها.
وتقرأه في بيداء الضياع التي يتناثر فيها اللبنانيون بقوة عصف الصدمة التي نالت منهم والتي تزيد عن قوة عصف العبوة الناسفة التي نثرت لحم الرئيس رينيه معوض ودمه فوق كل لبنان، وأسكنته الهواء الذي نتنفسه وأدخلته إلى كل بيت وإلى كل قلب شهيداً للوحدة وشاهداً على الناس وموقفهم منها.
وتقرأه في الكلام الملتبس الصادر عن “مراجع” في الطائفة المارونية والذي يظهر الحزن على الفقيد ولكنه لا يظهر الحرص على البلاد ووحدتها.
هذا إذا ما تجاهلنا أقوال الحاقدين والشامتين ومن بهم مرض والذين يحاولون توظيف دم الوحدوي رينيه معوض لخدمة أغراض الانفصاليين، فهم يكادون يقولون إن الوحدة هي طريق الموت وإن الانفصال هو طريق السلامة… والسيادة البكر!
بات مشروعاً وواجباً ملحاً طرح السؤال مباشراً كما الرصاص ليس للتشكيك في الآخرين وليس لامتحان النوايا، وإنما لتطمين الذات والتثبت من القدرة على خوض المعركة الحاسمة والتي لا مهرب منها، وأيضاً من القدرة على إحراز النصر المؤكد فيها.
وبالصراحة الجارحة كلها يتبادل اللبنانيون، من غير الموارنة، هذا السؤال، ألف مرة في اليوم كل يطرحه على الآخر لشدة ما يضيق به صدره، ثم لا يكتفي بما سمع ولا يهدأ، ولا يستعيد السكينة إلا بالتمني، لكن التساؤل سرعان ما يعود يضج في أعماقه ويحرمه الاغفاءة والثقة في غده… في مصيره والوجود.
يستمع إلى الاذاعات فيهيج قلقه.
يتابع الأخبار على شاشات التلفزيون فترميه وقائعها في المجهول.
يلتهم السطور السوداء في الصحف فتضاعف من غمه وتكاد تذهب بما تبقى من يقين.
يسمع إن العالم، بدوله جميعاً، مع لبنان الواحد السيد الحر الخ.. لكنه يلتفت حوله فلا يرى أثراً لمنع الانفصال وردع الانفصاليين.
.. ويكاد يصدق للحظة إن ميشال عون أقوى من العالم بدوله جميعاً. أقوى من بوش غورباتشوف، من تاتشر وكول، من البابا (؟) وميتران (؟؟)، ناهيك بالصين واليابان وصولاً إلى سلطان بروناي.
ويسمع إن العرب، بدولهم العديدة ما شاء الله، يقفون بحزم إلى جانب “الجمهورية الجديدة” التي ساهموا معه في تأسيسها على قاعدة اتفاق الطائف.. لكنه لا يستطيع تصديق هذا الكلام المسكن في حين يتقبل التعازي برئيس الوفاق الوطني الذي انتخبه العرب في الطائف من قبل أن ينتخبه اللبنانيون في مطار القليعات.
ويسمع… ما أكثر ما يسمع مما يسر، وما أكثر ما يرى مما يميت كمداً وغيظاً!
على إن الخطر يجيئه من الداخل، ومنابت القلق في الخاصرة والعنق والذراع والرأس وهو ما يشغله ويهد حيله.
وبالصراحة الجارحة ذاتها يستعرض مواقف المراجع والقيادات المارونية فلا يرى فيها إلا ما يبشر بنهاية “لبنانيه”، والتخلي عنه تماماً لحساب مشروع كان يحسب إنه صهيوني ولا يمكنه التصديق للحظة إنه “ماروني”.
يلتفت إلى البطريرك الماروني ويقصده في الديمان ليطيب من خاطره ويواسيه لما أصابه على يد الانفصاليين فلا يجده، فلا يعرف – مصادفة – إنه قد عاد إلى الأسر راضياً مرضياً تحت رعاية جلاده الجنرال.
ويتملص من مشاعره الشخصية ومن أخلاقياته ليقرأ الموقف بالسياسة فلا يفهمه إلا تأييداً بطريركياً للانفصاليين ومشروعهم، بغض النظر عن كل الكلام الوحدوي الذي حفلت به المواعظ والذي سيصل ذروته غداً في تأبين الرئيس الماروني الشهيد رينيه أنيس معوض الزغرتاوي.
هو عند “الجنرال” سياسياً، وهو في زغرتا كاهن يقوم بمراسم قداس الجناز.
هو رهينة الانفصال وقلبه مع الوحدة، لكن “وجوده” يجرد مشاعره من فعاليتها.
ولقد ارتبك صف النواب، أمس، وكاد بعضهم يضعف وهو يرى حصن أمانهم قد انتقل من موقع مساندتهم إلى الموقع المقابل… فهذا انتقال بالجغجرافيا السياسية، وليس انتقالاً شكلياً بين مكان وآخر.
خصوصاً وإن النواب قد ربطوا هذه العودة إلى بيت الطاعة، عند الجنرال، بغياب القاصد الرسولي (ونائبه) وكذلك السفير الإيطالي عن الاحتفال الذي أقامته الشرعية بعيد الاستقلال في ظل الجمهورية الجديدة. والذي تحول إلى وداع لرئيسها رينيه معوض.
ويلتفت إلى “الجبهة اللبنانية” فإذا هي أثر بعد عين… ثلثها عند الجنرال، وثلثها تحت وصاية الجنرال، وثلثها الأخير يكاد يطلب عفو الجنرال ورحمته معتذراً عما تقدم من ذنبه في الطائف وما تأخر،
يلتفت إلى “القوات اللبنانية” فإذا هي بسيوفها في خدمة الجنرال محقق مشروعها القديم، وبعواطفها مع حل قدري يهبط من السماء بمعجزة وينجح بمعجزة أخرى ويحلها محل الجنرال بمعجزة ثالثة… وفي انتظار تلك المعجزات يبلع قائدها “الحكيم” لسانه ويمتنع عن تحديد موقفه والصمت الجبان أسوأ من المجاهرة بالولاء للانفصال، لأنه يستولد أوهاماً تقرب موعد الهزيمة.
ويلتفت إلى الدكتور جورجسعادة، وحزب الكتائب بمكتبه السياسي وهيئة الشورى فيه، فيغرق في طوفان من الكلام الذي قد يعني “نعم” وقد يعني “لا” والذي يكشف عجزاً مهيناً وجبناً عن مواجهة خطر جدي على وحدة البلاد ذريعته الخشية على بيوت الحزب من مدافع الجنرال؟
واي بيت ستبقي عاصفة الانفصال، وأي “مالك” سيكون ساكنه الجديد؟!
يلتفت إلى الهيئات والتنظيمات الشعبية، إلى الاتحادات والنقابات، إلى الشخصيات التي تنعمت طويلاً بخير دولة الوحدة، فلا يسمع منها كلمة أو همهمة أو نامة تدل على وجودها.
يلتفت إلى الجيش، وهو في التقليد، المؤسسة الموحدة، والابنة الشرعية لدولة الوحدة، فيراه بعدما توفر له الصفاء الطائفي قد تحول إلى الذراع العسكري لدويلة الانفصال.
يلتفت إلى سليمان فرنجية فيراه غارقاً في الحزن معتصماً بالموقف المبدئي، ولكن زغرتا بعيدة ويدها أقصر من أن تطال بعبدا، ورسل السوء يجيئونه كل ساعة ليتمنوا عليه غض الطرف عما يجري والتسامح وتبني الدعوة إلى المصالحة بين القاتل وبين الضحية بحجة الحرص على وحدة الطائفة.
واين الوطن، يا شارل حلو، واين وحدته التي سلمتك رئاسته ست سنوات؟!
وأين دم السميح يا الاباتي نعمان؟! هل غفرت لصاليبه من أجل دويلة “نقية” مثل دولتهم؟!
يلتفت إلى الرهبانيات وينده على أهلها فيعود إليه صوته وصداه!
يلتفت إلى “الشارع” فإذا هو هائج مائج بالهاتفين: بالروح بالدم نفديك يا عماد!
وميشال عون “عماد” فعلاً للانفصال والانفصاليين،
ولقد جاءت الطائرات الحربية الإسرائيلية، أمس، إلى البقاع وإلى بيروت، لكي تقول تل أبيب إنها عماد العماد..
ما العمل إذن؟
ومن أين يأتي الجواب المطمئن؟!
لا جدال في أن الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، موارنة وطوائف أخرى، وحدوية.
ولا شك في أن هذه الأكثرية لا ترى أملاً ولا مستقبلاً في الانفصال، فالانفصال هو الموت في “القهر” أو في المهجر.
لكن هذه الأكثرية قد التزمت حتى الآن موقع الدفاع، وهذا ما يهددها ويمكن للانفصاليين المهاجمين.
والمطلوب قلب الموقف جذرياً: هي حرب الوحدة وخائن من لا يخوضها، ومقصر من يتردد في المباداة بالهجوم، ومتخاذل من يأخذه الخوف بعيداً حتى تنجلي الأمور.
لقد ذهب زمن الصلح أو التسوية مع الانفصاليين، وكلاهما مستحيل إلا إذا فرطنا بلبنان، أرضاً وشعباً وجمهورية ذات سيادة واستقلال ونظام ديموقراطي برلماني واقتصاد حر الخ.
لا بد من المواجهة شريفة، مكشوفة، وبكل أنواع السلاح.
وأول شروط المواجهة: أن ينتخب اليوم، اليوم قبل الغد، رئيس جديد لجمهورية الوحدة والوفاق الوطني، على صورة رينيه معوض ومثاله، مع إضافة نوعية لا بد منها وهي أن يبدأ هجومه مع لحظة إعلانه رئيساً، وبالإجماع، كما نتمنى.
وكمثل ما جمعت أشلاء رينيه معوض علينا أن نجمع أشلاء البلاد لكي نحمي وجودنا فيها، ولكي نحمي أيضاً الجمهورية الجديدة ورئيسها العتيد الآتي باسم الوحدة مكملاً لرسالة رينيه معوض ورشيد كرامي وآلاف الشهداء الذين سبقوهم وغطت دماؤهم الطاهرة هذه الأرض فباركتها للوحدويين وحرمتها على غيرهم.
والجواب مطلوب، فعلاً مباشراً، من الموارنة… فعبثاً يحاول سائر اللبنانيين تجديد الوحدة إن لم يكن الموارنة يريدونها.
وبعد ذلك نطالب العرب ونعتب على الدول أو نلومها… فهي تبني على قرارنا، أو هكذا يجب أن يكون.

Exit mobile version