طلال سلمان

على الطريق وظيفة أميركية .. للصاروخ السوفياتي!

من حق المواطنين في لبنان أن يتوجهوا إلى الولايات المتحدة الأميركية التي لا تكف عن نصحهم بضبط النفس والتعقل والاعتدال واعتماد لغة الحوار مع العماد ميشال عون بدلاً من انتقاده، بمجموعة من الأسئلة والتساؤلات “الساذجة” التي تقض مضاجعهم ربما بأكثر مما تفعله مدافع الجنرال.
بين هذه الأسئلة التي يتمنى لو سمع اللبنانيون جواباً عليها من الرئيس جورج بوش، أو من وزير خارجيته جيمس بيكر:
1 – هل أنتم حقاً مع وقف النزف في لبنان؟! هل أنتم مع إنهاء المأساة اللبنانية ومع حل جدي وناجع للأزمة الخانقة في البلد الصديق الذي ما اعتز بعد أرز الرب بشيء قدر اعتزازه بالانتماء إلى “العالم الحر” وزعيمته الولايات المتحدة الأميركية؟!
2 – واستطراداً، هل أنتم فعلاً مع اللجنة الملكية العربية التي تضم نخبة من القادة الذين لم يعرفوا إلا بصادق الود تجاه الولايات المتحدة وبشدة الحرص على سمعتها ومصالحها في المنطقة ذات الأهمية الفائقة استراتيجياً؟!
3 – واستطراداً، أيضاً، هل أنتم مع “إصلاحات واسعة” للنظام السياسي اللبناني الذي طالما اعتبرته إدارتكم متخلفاً وغير عصري ومعاقاً؟! هل أنتم فعلاً مع نظام ديموقراطي برلماني في الجمهورية اللبنانية التي تتزاحم سبع عشرة طائفة على أرضها ذات الـ 10452 كلم2 فقط لا غير؟!
4 – ثم… هل أنتم حقاً مع لبنان مستقل وسيد وحر وموحد تقوم فيه حكومة مركزية قوية تبسط سلطتها وتمارس إرادتها وحقوق السيادة على كامل ترابه الوطني بما يحقق جلاء الجيوش الأجنبية أو غير اللبنانية جميعاً، وبالأولوية المطلقة لجيش الاحتلال الإسرائيلي وأتباعه في جنوب البلاد؟!
لهذه الأسئلة، وغيرها كثير، دوافع عديدة آخرها والأشد إلحاحاً منها حكاية صواريخ “فروغ” التي تفضل بها النظام العراقي على العماد عون، مؤخراً.
فهذه الصواريخ قد أرسلت براً عبر معظم الأرض العراقية، ثم بامتداد البر الأردني إلى خليج العقبة حيث حملت على سفن ضخمة، ومن هناك عبر البحر الأحمرإلى قناة السويس ومنها إلى البحر الأبيض المتوسط وصولاً إلى أحد المرافئ بين بيروت وساحل جبيل.
و”الفروغ” الواحد بحجم جبل، وهو كتلة صماء من الحديد والفولاذ والمواد الملتهبة، بمعنى إنه لا يطوى ولا يُضغط ولا يمكن إلباسه “قبع الإخفاء” بحيث يموه أو يحجب عن أنظار… الأقمار الصناعية أو حتى أنظار سائقي الشاحنات وصبية البدو الضاربين في صحراء المفرق انتهاء بـ “العتالة” في مرفأ العقبة الذي هو بمرمى البصر الإسرائيلي واليد الإسرائيلية، حتى لا نذكر المدافع!
فهل يعقل أن تتحرك هذه الصواريخ ، محمولة على سيارات حاملة طويلة كشهر الصوم، وأن تقطع البراري والقفار وتعبر بحرين ونصف البحر (القناة) من غير أن يراها أحد أو يعلم بحركتها أحد إلا بعد وصولها إلى مخازن الجنرال التي ضاقت بأكداس السلاح والعتاد والذخيرة بما يكفيه لإحراق العالم، على حد تعبيره؟!
فإذا ما استبعدنا عدم المعرفة بالحركة ومواعيد الإقلاع والوصول، يصبح منطقياً أن تتدافع أسئلة أخرى أكثر حدة، ومنها:
*هل هذا هو الرد الأميركي على قرارات قمة الدار البيضاء التي استقبلتها واشنطن بكثير من التحفظ؟!
*أم إنه رد أميركي مباشر على مجرد تجرؤ العرب على تذكير واشنطن بالقرار 4256 الداعي إلى ضرورة جلاء جيش الاحتلال الإسرائيلي عن أرض لبنان؟!
وفي الأقوال السيارة إنه كان بين شروط الإدارة الأميركية لاستقبال موفد اللجنة الثلاثية، الأمير سعود الفيصل. ألا يذكر بهذا القرار، مطالباً بالضغط لتنفيذه، “إذ يكفي إسرائيل ما لديها من مشكلات بسبب الانتفاضة الفلسطينية”!!
*أم هي محاولة أميركية مقصودة لتغييب الدور الإسرائيلي في لبنان عبر تظهير الصراع العربي – العربي على أرضه، فإذا ما استقر في الأذهان إنه صراع عراقي – سوري قديم ومتجدد سحب العامل الإسرائيلي من التداول، بكل الأبعاد والتداعيات المنطقية لمثل هذا التطور وبينها ما يعفي الولايات المتحدة من مسؤولية المساعدة في حل أزمة لا علاقة لها إلا بالعرب داخل لبنان ومن حوله؟!
وإلا فكيف ترضى الولايات المتحدة الأميركية بأن تسبغ حمايتها على ضابط موتور وأرعن يستقوي على شعبه و”جيرانه” بصاروخ سوفياتي؟!
فالإدارة الأميركية تدرك، قطعاً، إن الصاروخ في يد عون يجرح الحل وقد يعطله،
ولكم كان مستغرباً أن يندفع الاتحاد السوفياتي إلى الاعتراض والاحتجاج العلني، ثم أن تشاركه فرنسا، وأن يضمن الرئيسان غورباتشوف وميتران بيانهما المشترك نصاً صريحاً حول موضوع توريد الأسلحة، أي حول الصاروخ، بينما تكتفي واشنطن بغمغمة بعض الكلمات غير المفهومة وكأنها هي التي هربت الصاروخ السري!!
إن هذا الصاروخ لا يعطل الحل فحسب، بل إنه مؤشر صارخ على قرار كبير باستمرار الأزمة في لبنان، وبين شروط إدامتها وتفاقمها بقاء الجنرال في الملجأ الجمهوري ببعبدا.
وهذا الصاروخ، وبغض النظر عن طاقته التدميرية، يضر بحامله بل هو يقتل حامله، والسكوت عن “تهريبه” لا يعبر – بأي حال – عن حرص على مستقبل المسيحيين في لبنان، أو في المنطقة، أو على دورهم وموقعهم في السطلة، بل هو على النقيض من ذلك تماماً يخصم من أسباب اطمئنانهم إلى غدهم ولا يزيد أبداً في الضمانات، التي يطلبها بعضهم لوجوده أو لموقعه في النظام السياسي العتيد.
إنه صاروخ ضد الاصلاح، أي ضد إنهاء الحرب، وضد احتمال تقدم لبنان على طريق الحل وإمكان توفير ضمانات الحياة (ومن ثم التقدم) لجميع أبنائه، مسلمين ومسيحيين.
والصاروخ سوفياتي الصنع، عراقي المصدر، ولكنه أميركي الوظيفة،
… على الأقل طالما لم يعطله الأميركي، والأميركي تحديداً، لكي يفتح باب الحل، أمام… الأخضر الإبراهيمي واللجنة الملكية التي جاء لينفذ قراراتها الواضحة.

Exit mobile version