طلال سلمان

على الطريق وطنيته شرط وجوده

يكون الجيش صاحب دور وطني أو تنتفي الحاجة إليه، فلا يكون.
الجيش، بالمعنى الوطني، ليس شرطة. وليس مجموعة من القوات الإقليمية. إنه مؤسسة مكرسة للوطن نفسه، ترابه وناسه، كل ترابه وكل ناسه.
من هنا فإن الانحياز يلغي الدور الوطني فيلغي الطابع الوطني لهذه المؤسسة، ويهددها في وجودها ذاته، ويفرض على الناس أن يتعاملوا معها من واقع ممارساتها. تكون طرفاً فتعامل كطرف، وكطرف يصبح ما كان جيشاً مجرد “قوة نار” شأنها شأن سائر “قوى النار” الأخرى، وينحصر الفارق في الفعالية.
أما “الجيش”، سياج الوطن وحامي حماه، فقضية أخرى.
وبالطبع ليس من حقنا أن نطالب الجيش بأن يكون من المقاومة الفلسطينية، ومعها وفيها. أو أن يكون مع “المرابطين”، مثلاً، أو منهم. ولكن من حقنا أن نطالبه بألا يكون مع “الكتائب” و”الأحرار” ومن لف لفهم.
من حقنا أن نقف في وجه من حاول استخدامه “لفتح الطريق الدولية” في الدامور، أمس فقط، وعطل استخدامه لمثل هذه المهمة في الدامور ذاتها قبل يومين أو ثلاثة، وعلى امتداد الطريق من بيروت إلى طرابلس منذ أربعة شهور أو يزيد، ناهيك بالكحالة بل الكحالات جميعاً!
ومن حقنا أن نقف في وجه من حاول استخدامه لحماية بلدة الدامور الآمنة، في حين عطل استخدامه في بلدة ضبيه الآمنة، وقبلها في حارة الغوارنة الآمنة، وفي بلدة سبنيه الآمنة… دون أن ننسى أنهم حاولوا جعله قوة احتياطية للكتائب و”الأحرار” في مختلف الجبهات: يدخلونه ليفتح لهم بمدافعه ودباباته طريق “النصر”، فإذا انفتحت أمامهم دفعوه إلى الخلف وتقدموا… لأخذ الصور التذكارية وهم يرفعون أعلام الاستسلام، نيابة عن أهالي المخيمات والقرى الآمنة.
في مواقفنا هذه نكون، نحن، مع الجيش كمؤسسة وطنية، ويكونون “هم” ضده كمؤسسة وضد دوره الوطني.. بمقدار ما هم ضد “الوطن” أصلاً، لأن الوطن لكل أبنائه وليس لهم فقط.
لكننا لا نستطيع أن نحمي الجيش أكثر مما يريد ويعمل هو لحماية دوره ووجوده ذاته.
وعندما لا يتحرك الجيش لحماية “أمانة وطنية” و”ديمة قومية” مثل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، يعطينا الحق في الاعتراض على تسخيره لحماية قصر السعديات مثلاً.
وعندما لا يرى الجيش مما يحصل في زحلة كلها إلا “شغب” العناصر الوطنية في حوش الأمراء والمعلقة، فإنه يفقد الكثير من حصانته الوطنية، التي اهتزت بعد عجزه أو “تعجيزه” عن تأمين الطرق إلى تل الزعتر وما جاوره، وبعد عجزه أو تعجيزه عن استعادة ملالاته من “جيش التحرير الزغرتاوي”.
… ولأننا مع الجيش الوطني، ومع لبنان الوطن، نرفع الصوت في تنبيه الجيش ممن يريدونه طرفاً تمهيداً لضرب وحدته، باعتبارها “التتويج” العملي لمجهوداتهم في تمزيق الوطن.
والكلمة، بعد، للجيش، بقيادته وضباطه وجنوده من أبناء الريف البسطاء والفقراء حتى العظم.

Exit mobile version