طلال سلمان

على الطريق وراء السراب القاتل!

من المشكوك فيه أن يكون الدكتور هنري كيسنجر قد حقق كامل أهداف جولته الجديدة في المنطقة العربية، ولكن المؤكد أنه نجح في عدد منها أبرزها موضوع محدد هو: إجهاض مؤتمر القمة العربي، المقرر عقده في الرباط يوم السبت في 26 تشرين الأول الجاري،
وبغض النظر عن النتائج التي كانت متصورة أو مفترضة لهذا المؤتمر، ولهكذا مؤتمرات عموماً، فإن عدداً ملحوظاً من الرؤساء والملوك العرب سيذهبون إليه الآن بحماسة أقل وبطالب أكثر اعتدالاً… وهذا إذا طلبوا منه شيئاً آخر غير الدعم المالي.
أما المطالب الأصلية فتنام هانئة في حقيبة “العزيز هنري”، باعتباره الساحر والماهر والباهر والآسر والذي على كل شيء قادر.
ولنسترجع أهداف رحلة كيسنجر لنرى ما تحقق منها، أو يبدو أنه تحقق فعلاً:
1 – كان بين أهداف كيسنجر أن يحقق تكريس العمل بالحلول الجزئية لفترة أخرى، على الأقل، ولو اتخذ ذلك صيغة التمديد لقوات الأمم المتحدة التي “تضمن” الفصل بين القوات المصرية والسورية من جهة وقوات الاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى… والمرجح أن التمديد سيتم لقاء بعض التراجعات الإسرائيلية عن مواقع تحتلها الآن ولا يشكل الجلاء عنها تعديلاً جوهرياً في الموقف العسكري العام.
2 – كان بين أهداف كيسنجر أن يكرس “أميركية” الحل، في جنيف أو خارجهأ، مستخدماً لذلك التهديد بإلغاء مؤتمر جنيف… ولا يبدو من خلال النتائج المعلنة أن ثمة جنيف قريبة، بأي حال..
كذلك فقد أعلن كيسنجر ، صراحة وبحضور الرئيس السادات، خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقداه أمس، إن الفلسطينيين لن يكون لهم مكان في “المرحلة الأولى” من أعمال جنيف، وإن الأولوية في هذا المجال هي للاتفاق الأردني – الإسرائيلي… وهذا الاتفاق الذي يعطى أحياناً تسمية “فك الارتباط على الجبهة الأردنية” يلغي دور الفلسطينيين في جنيف، كطرف مستقل. ومع إن حضور جنيف قد لا يكون، بحد ذاته، مطلباً فلسطينياً، إلا أن التعامل معهم كطرف مستقل في جنيف كما في الأمم المتحدة، كما على الساحة العربية والدولية عموماً، يبقى واحداً من أعز مطالبهم.
وأخطر ما في الموضوع إن كيسنجر أعلن، ضمناً ، إن مشروع تغييب الفلسطينيين قد تم بموافقة من السعودية ودون اعتراض من مصر،
ولا يهم بعد ذلك أن تتجمع في أيدي منظمة التحرير عشرات الصكوك والبيانات العربية (والوعود الشفوية) عن حقها المطلق في تمثيل شعبها، لوحدها وشرعياً..
3 – كان بين أهداف كيسنجر التأثير على مستقبل العلاقات المصرية – السوفياتية واضعاً أمام الحكم المصري خياراً محدداً: إذا حسنتم مع موسكو خسرتمونا نحن (وبالتالي خسرتم حتى احتمال التسوية، وحتى أوهام المساعدات)..
4 – كان بين أهداف كيسنجر أن يضمن هدوء “المحاربين من العرب” ليوظف هذا الهدوء في تغطية الصفقة المعقودة سلفاً مع السعودية ومن معها من عرب النفط حول تخفيض الأسعار واستغلال النفط لتركيع أوروبا..
ومع النجاح النسبي الذي حققه كيسنجر فإنه عاد يضغط بموقف السعودية النفطي على المحاربين من العرب لابتزازهم مزيداً من التنازلات بعد تحققهم من خسارتهم لورقة النفط بتاثيراتها المتعددة.
وها هو كيسنجر يعود إلى واشطن راضياً، فقد ربح لنفسه ولرئيسه الجديد (ولإسرائيل أساساً) فترة جديدة من الهدوء، من دون أن يدفع ثمناً يذكر… مكلفاً الرئيس السادات بأن يتولى تهدئة سائر الملوك والرؤساء العرب في القمة، حرصاً على جنيف.
فإذا تم له ذلك صار العرب في موقف غاية في الطرافة، مرة أخرى: يتركون ما بيدهم طلباً لسراب ثبت لهم، على امتداد سنة طويلة، إنه – بالفعل – سراب، وسراب قاتل.
هذا إلا إذا حدثت مفاجآت لا يسري عليها سحر “العزيز هنري” في مؤتمر القمة،
حتى لا نتحدث عن المفاجآت الأخرى التي مصدرها الشعب وليس كواليس المؤتمرات واللقاءات الملوكية.

Exit mobile version