طلال سلمان

على الطريق وداعاً بيروت!

بينما تنجز القوات الأميركية احتلالها “الديموقراطي” لجزيرة هايتي، سلماً وعبر “صفقة” لعلها ستكون أشد تأثيراً من “عاصفة” الغزو الذي كان مقرراً،
وبينما تشتد الضغوط الإسرائيلية على كل من سوريا ولبنان فتعطل أو تكاد “العملية السلمية”، وتحاول حكومة رابين إسباغ شيء من “الديموقراطية” على احتلالها بعض الجنوب والبقاع الغربي إضافة إلى هضبة الجولان السورية، فتربط الانحساب باستفتاء “شعبي”، كأنما من حق الفالاشا أو يهود روسيا أو أوكرانيا أو المغرب أو بولونيا أن يقرّروا سيادة لبنان على أرضه أو سوريا على أرضها،
وبينما تتكثف الضغوط الأميركية “المعنوية” على لبنان، وآخرها التلويح بمكافأة ثمينة قد تكون على شكل “قمة”، ولو عارضة، لإغرائه بفصل مساره التفاوضي عن المسار السوري، بذريعة أن الإسرائيليين لا يطمعون لا بشبر من أرضه ولا بقطرة من مياهه، وأنهم ينتظرون انتصار “الديموقراطية” وروح السيادة والاستقلال فيه حتى يتموا انسحابهم منه…
في هذا الوقت بالذات، يتم رفيق الحريري وضع يده “ديموقراطياً” على بيروت، ويستضيف “الدولة” على الأرض التي “حرّرها” من أصحاب الحق فيها، لكي تضع له حجر الأساس لمشروعه الأعظم ربحاً والأقل مخاطر والمضمون مليار لمئة : سوليدير.
من قبل، استطاع رفيق الحريري أن يمرّر مشروعه الخطير بمادة وحيدة، ومن دون نقاش، على مجلسين نيابيين وعلى ثلاثة مجالس وزراء، غير حكومته هو،
وكانت المادة الوحيدة فعالة وذات سحر آخاذ في كل تلك المجالس، بحيث أن النقاش جرى – مع الأسف – خارجها، وبالتالي ظل من دون تأثير على قراراتها،
وبعد المجالس، وعلى هامشها، أمكن – ديموقراطياً – ضمان الصمت الذي يعني الرضا من قبل المشرفين على الأوقاف جميعاً، ثم من قبل أمراء الطوائف،
وبقوة هذه وتلك وسحر المادة الوحيدة، استقطبت غالبية أجهزة الأعلام، فرفعت الصوت عالياً بأناشيد الديموقراطية وترانيمها،
بعد ذلك جاء دور الفن والثقافة فأحضرت فيروز لكي تترنم، كما في كل جمعة عظيمة: اليوم “علقت” على خشبة!
وجاء الناس يحتشدون آلافاً مؤلفة في موكب تشييع بيروت الثقافة والفن والحرية، لا بيروت الحرب،
اليوم يأتي دور رأس الدولة، لكي يضع بصمته على المشروع، بحيث تكتمل حلقات الديموقراطية ولا يبقى من يستطيع أن يغسل يديه غداً ويقول: أنا بريء من دم هذا الصديق!
حتى البعيد على قربه، القريب على بعده، صائب سلام حضر ليكون مثل بيروت الشاهد – الشهيد،
إنه عصر الاحتلال بالديموقراطية، أو ديموقراطية الاحتلال،
والحمد لله أنه قد انتهى عصر الدكتاتوريات جميعاً من دكتاتورية الحاكم باسم الطائفة إلى دكتاتورية الحاكم باسم الأجنبي إلى دكتاتورية الميليشيا، إلى دكتاتورية المال، وسادت الديموقراطية الحقة، حيث القرار للشعب وليس إلا للشعب.
إنه التغيير الديموقراطي يتوالى فصولاً:
لا اسمك هو الاسم، ولا هويتك هي الهوية، ولا أرضك لك، ولا أنت سيد نفسك في رسم مستقبلك،
والديموقراطية أنواع شتى، وقد وصلنا في لبنان إلى أرقاها وأكملها في التعبير عن حكم الشعب بالشعب وللشعب: الديموقراطية السعودية.
وداعاً بيروت، مرحى لديموقراطية الاحتلال، مرحى لديموقراطية المادة الوحيدة، مرحى لديموقراطية النخلة التي بلا جذور يتقاطع عند جذعها سيفان ولا زنود، مرحى لديموقراطية الذهب الأسود والصمت الأبيض.
وداعاً بيروت، وداعاً فيروز، وداعاً لبنان، وداعاً أيها الثقافة، وداعاً للفن والإبداع والمنتدى الفكري والمطبعة والكتاب وصحيفة الصباح، وداعاً للأحلام، وداعاً لبيروت الشارع الوطني العربي ومخبر الأفكار والآراء والتيارات النابضة بإرادة التغيير من أجل غد أفضل.
وداعاً بيروت لبنان، وداعاً بيروت العرب، مرحى لبيروت الشرق الأوسط الجديد!
مرحى لديموقراطية الاحتلال… بالمادة الوحيدة!

Exit mobile version