طلال سلمان

على الطريق وداعاً أيتها الميليشيات!

مرة أخرى يتجه اللبنانيون بمشاعر عرفان الجميل نحو القيادة في دمشق والقوات العربية السورية العاملة في بلادهم كونها قد أنقذتهم من أنفسهم.
فبعد بيروت، ها هو الجيش العربي السوري يتدخل لإنقاذ الضاحية – النوارة من “حماتها”، فيتمكن بعد مفاوضات شاقة وإشكالات عديدة ومساومات تعدت الإطار المحلي إلى الإقليمي فالدولي (!!)، من إيقاف الحرب البلاشعار والبلاقضية والبلا مبرر مقبول بين “المستضعفين في الأرض” وبين “المحرومين في وطنهم”!!
ولكم كان محزناً منظر “العائدين”، باللهفة والخشية واللوعة، أمس، إلى الضاحية، متمترسين بالجنود السوريين ومتسلحين بقرار دخولهم الشجاع، في وجه سلاح ميليشياتهم الذي انقلب ضدهم ونغص عليهم حياتهم.
لقد أمكن لجموع الفقراء من “الصنايعية” وصغار الكسبة وأصحاب الدخل المحدود والراكضين أبداً وراء الرغيف، أبناء حزام البؤس، بل أبناء البؤس بشخصه، أن يسلكوا – أخيراً – طريق العودة إلى البيوت التي فروا منها مذعورين لكي ينجوا بأرواحهم.. وكانوا يعرفون، سلفاً، إنهم سيجدون معظم البيوت مهدمة أو متصدعة أو منهوبة ومحروقة، من بعد، لإخفاء هوية الناهب وبصماته، ومع ذلك فقد عادوا إذ لا خيار آخر أمامهم.
على إن هؤلاء “العائدين” يعرفون إن ثمة شروطاً لاستقرارهم في بيوتهم لم تتوفر تماماً بعد ، أبرزها:
أ – أن يخرج المسلحون وسلاحهم من الضاحية، فلا مجال للتعايش مع الميليشيا حتى لو كانت بنت بيئتهم الاجتماعية (أي الطائفية والمذهبية)، وطالما إن القرار بحل الميليشيات المعنية في الضاحية لم يصدر بعد، فإن القلق قائم ولا مجال لتجاوزه.
ب – أن يسمع الناس شيئاً من النقد والنقد الذاتي من المتسببين بهذه المحنة التي عاشوها، ومع إن “العائدين” لا يملكون أن يحاسبوا أصحاب السلاح وقياداتهم وأن يقتصوا منهم، أو يقاضوهم فيغرموهم ما يعوضهم بعض ما خسروه، فإنهم يتمون ألا تشمل الخسارة آمالهم المعقودة على الأنماط المختلفة للعمل الشعبي والعمل السياسي عموماً (الأحزاب، التنظيمات، الحركات، النقابات وصولاً إلى الروابط والجمعيات الخ)…
ج – أن تسقط نهائياً أسطورة خطوط التماس التي باتت جراحاً في قلب الوطن ومراكز نهب منظم لرزق المواطن،
ثم إن هذه الخطوط المحروسة جيداً بوصفها مصالح للأقوياء، باتت منطلقاً للحروب المتواصلة، الظاهرة أو المستترة، داخل كل طائفة، وعلى العموم “بين رفاق السلاح، أبناء الصف الواحد”.
إنها خطوط لا ولم ولن تمنع حروباً بين المناطق والطوائف، ولكنها تذكي وباستمرار أسباب الحروب الداخلية، خصوصاً وقد صارت السيادة عليها والإمساك بزمام مداخيلها الهائلة، بين هذه الأسبابز
إن الميليشيات، عموماً، مبرر ممتاز للاقتتال، ولكنها – وبالتجربة المرة – لم تثبت أبداً جدارتها في القتال، لا من أجل الاصلاح ولا حتى من أجل حقوق الطائفة، أي طائفة بل هي قد أنقصت جدارة الطائفة بالمطالبة بحقوقها الطبيعية في عرف النظام وضمن منطقه الفريد!
وأهالي الضاحية يعرفون إن دور سلاح الميلشيات فيإصلاح النظام السياسي، أو في حمايته، قد سقط تماماً، ومنذ زمن بعيد، وهم كادوا يهتفون أمس: وداعاً للميليشيات!
والدول جميعاً تعرف هذه الحقيقة وتجهر بها، وآخر من أعلنها بالأمس وزارة الخارجية الأميركية.
وهكذا فلا بد من إزالة السلاح وإنهاء الميليشيات، وإلا ظل الهدف المباشر لرصاص الفتنة والجنون، المواطن البائس، ورموز الشرعية والمرجعية الأمنية، كما تدل محاولة الاغتيال الآثمة التي دبرت بليل أمس الأول مستهدفة اللواء سعيد بيرقدارن والعميد الركن غازي كنعان ورفاقهما الذين كانوا يسعون لإطفاء نار الفتنة وإنقاذ الضاحية وأهلها.
.. وبعد ذلك فلينفتح باب الصراع السياسي على مصراعيه، ولينتصر الأقوى.. الأقوى بمنطقه، بحجته، ببرنامجه، بتعبيره عن آمال شعبه وطموحات أمته.
وتلك مهمة اللبنانيين، كل اللبنانيين، وليس لهم عذر في أن يطلبوا من الآخرين، حتى لو كانوا أشقاء ومنقذين، أن يقوموا بأعبائها بدلاً منهم،
فهل ثمة، بعد، من يصلح لهذه المهمة التي لا تحتمل التأجيل؟!
مع ملحوظة: إن الجعجعة، شرقية كانت أم غربية، لا تنفع في هذا المجال، بل هي مصدر إضافي للضرر ومبرر لاستمرار المحنة إلى ما لا نهاية!

Exit mobile version