طلال سلمان

على الطريق واشنطن تأكل “أبناءها” وتعد لتغيير النظام العربي؟1

من قال إن العرب غير مؤثرين في العالم؟
ها هم “الموضوع” الأول في أربع رياح الأرض، بلا منازع، وبالتزكية والإجماع!
كل سويدي زادت عليه أسعار السلع يشترك مع كل ياباني زادت كلفة إنتاج أجهزته الدقيقة في صب جام الغضب على … العرب!
وكل فرنسي تأثر برنامجه الشخصي لقضاء إجازته السنوية (الصيفية، تمييزاً لها عن إجازة الثلج أو السكي) يتبارى مع الكندي المتحدر من أصل فرنسي (؟) الذي سيضطر إلى مزيد من الانفاق على وسائل التدفئة، في ابتكار الشتائم المركبة “تحية” للعرب، ونفطهم السيال!
كل ألمانين كل هنغاري، كل دانمركي، كل سويسري، كل تركي، كل بلغاري وصولاً إلى سيريلنكا وجزر القمر، مروراً بـ “الأحفاد” الإسبان، يسبون العرب عشر مرات في الساعة بكل لسان، بما في ذلك السنسكريتي والأوردو طالما إن الهنود بين المتضررين!
ثم… إن العرب هم وقود المعركة الانتخابية التي يخوضها صديقهم الكبير جورج بوش لكي يأتي بكونغرس على صورته ومثاله، أي “جمهوري” بأكثريته الساحقة بديلاً للكونغرس الحالي المشاغب كونه يحازب خصومه “الديموقراطيين”.
وقبل بضعة شهور كان العرب وقود المعركة الانتخابية، ومن بعدها الحكومية، في الكيان الصهيوني، وبفضل “تعاطفهم” مع حمائم (؟!) حزب “العمل” ضمن “صقور” تجمع الليكود الفوز بوصفهم الأعظم خصومة للعرب كأمة، كبشر، كجنس ذي بشرة سمراء!
ثم… إن العرب يملأون عن جدارة شاشات التلفزيون في العالم كله، ولا يغيب ذكرهم عن أية نشرة أخبار بأية لغة من اللغات الحية والمنقرضة، حتى لقد أتقن المذيعون الأجانب نطق أسماء قادتنا من ملوك ورؤساء ومشايخ ونواطير بلا لكنة أو رطانة، كما عرفوا الجهات الأصلية والفرعية لصحارينا والأودية وحقول النفط الفسيحة!
وعلى مدار الساعة تبث وكالات الأنباء المصورة لقطات نادرة، فيها الطريف وفيها اللطيف وفيها المضحك المبكي، لعرب بالكوفية والعقال والجلاليب والدشاديش “يتفرجون” على حاملات الطائرات الأميركية، أو على البوارج البريطانية ذات الصيت العريض، أو على الهليكوبتر الفرنسية، أو على كاسحات الألغام الألمانية الخ.
والصور طريفة وظريفة ولطيفة لأن “الطرفين” فيها في الوضع نفسه: كلاهما يتفرج على الآخر بشيء من الذهول… فالأجنبي يكاد لا يصدق أن العربي يستقبله بهذه الوداعة و”الطيبة” التي تتجاوز حدود “الهبل”، والعربي يكاد لا يصدق إن هذا الأجنبي المدجج بالسلاح والكمامات إنما استقدم عدة الحرب المهولة هذه وجاء بهذه السرعة القياسية لإغاثته ونجدته ورد ضيم ذوي القربى عنه!
ثم… إن الأخبار “عربية” جميعها، فهي إما تصريحات يشتم فيها بعض قادة العرب البعض الآخر، أو تهديدات من قادة العالم يشتمون فيها العرب جميعاً ويستغفلونهم جميعاً ويهينونهم جميعاً وإن ركزوا عنوان حملتهم على هذا أو ذاك من الرؤساء.
وللمناسبة فإن واشنطن الآن تقوم بدور الوصي، فعلاً، على العرب القاصرين؟!
كيف؟!
إن الناطقين باسم البيت الأبيض، وأحياناً الخارجية الأميركية، وفي الغالب الأعم وزير الدفاع الأميركي وبعض مستشاريه في البنتاغون، بغير أن ننسى بعض خبراء المخابرات المركزية الأميركية أو بعض “الاستراتيجيين” الكبار من أمثال هنري كيسنجر وزبغنيو بريجنسكي وجيمي كارتر وجوزف سيسكو، هم الذين “يصنفون” رؤساء العرب وملوكهم وشيوخهم ويوزعون عليهم – وعبر الأثير – أحكام الإدانة أو شهادات حسن السلوك.
وعلى سبيل المثال لا الحصر: فقد “اكتشف” هؤلاء إن صدام حسين دكتاتور ومستبد وسفاح و… بعد أكثر من عشرين سنة من ممارسة هذا “الرجل القوي”، كما كانوا يسمونه، السلطة في العراق وصفها من خلف الرئاسة والرئيس ونصفها من فوق منصة الرئاسة وبوصفه الرئيس – القائد – البطل الخ.
ولأنهم اكتشفوا هذه “الحقيقة” متأخرين فقد عادوا إلى دفاترهم القديمة يستخرجون منها الإفادات والصور والشهادات الحية عن “موبقات” النظام في بغداد “وجرائمه” و”مجازره الجماعية” من غير أن ينسوا مذبحة الأكراد في “حلبجة” … كأنهم لم يعرفوا بها جميعاً إلا في هذه اللحظة، أو كأنهم كانوا غائبين فعادوا فجأة وأذهلهم ما رأوا وما سمعوا!!
ولقد قالوا في صدام حسين قصائد هجاء كادت تدخله قلوب الناس على الأقل من باب النكاية بأصحاب الشعر الرديء الذين سكتوا عنه طوال السنين الماضية، بل وكانوا بين الحين والآخر يشيدون بقوته وبحزمه وبسيطرته المطلقة على العراق وبنجاحه في صد رياح التطرف الإسلامي وحملة الكراهية على الغرب باسم الدين!!
وبالمقابل فقد أشادوا بآل الصباح وإنجازهم “الديموقراطي” الباهر في الكويت حتى جعلوا الناس يظهرون شماتتهم بهم علناً بعد أن كانوا يدارونها على قاعدة إن “الضرب في الميت حرام”، أو “أذكروا محاسن موتاكم” أو “ارحموا عزيز قوم ذلك”،
كذلك فهم امتدحوا حكام السعودية والإمارات وقطر والبحرين و”إخلاصهم” و”وفاءهم” و”صدق التزامهم” بالمصالح الحيوية للغرب بحيث حولوهم إلى “عملاء” وإلى “أتباع” يؤمرون فيطيعون،
ومع المديح كانت صور الحشود البرية والجوية والبحرية، وصور “المجندات” في الخيام، والمجندين المحصنين بالكمامات، تلغي “هيبة” أولئك الحكام وقدراتهم ودورهم حتى داخل الأقطار التي يحكمون…
فلقد تساءل الناس، ومن حقهم أن يتساءلوا: أين تراها ذهبت تلك الملليارات و”صفقات العصر” التي عقدها هؤلاء الحكام مع الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وغيرها؟! أين أكداس السلاح التي اشتروا، واين طائرات الأواكس التي “تكرم” الكونغرس فوافق على بيعها “للعرب” بعدما نزع منها ما يمكن أن يزعج إسرائيل أو يضايقها أو يكشف بعض أسرارها العسركية، وبعدما تعهد المشتري بأنه لن يستخدمها ولن يسمح لأحد باستخدامها ضد العدو القومي للأمة؟!
لكأن واشنطن تعد لتغييير جذري في النظام العربي القائم، ولهذا تنظم حملة تشهير بأبرز رموز هذا النظام، وفي الطليعة منهم أصدقاء واشنطن وأتباعها المخلصون والذين كانوا دعاة لها مؤمنين بها ومطواعين لتحقيق مصالحها والترويج لسياساتها بدءاً بملك المغرب وانتهاء بحكام الجزيرة والخليج مروراً بالملك حسين الذي يضرب به المثل في الالتزام الدقيق بالأصول الملكية للصداقة التاريخية مع أقوى القوى الدولية.
لكأن واشنطن تحرض العالم كله على العرب جميعاً وتحرض العرب على ملوكهم ورؤسائهم جميعاً،
لكأن أهدافها تتعدى الهيمنة المباشرة، بقوى احتلال ، على منابع النفط “العربي” وطرقه في اتجاه الغرب،
إن السياسة تستخدم العسكر لأهداف اقتصادية صريحة ومعلنة،
ولكن هذا كله سيؤدي إلى نتائج سياسية على الصعيد العربي قد تكون أخطر من أن يتحملها الحكام المستنجدون بالصديق الأميركي الكبير،
ولن يحزن عربي واحد إذا ما اكتشف هؤلاء الحكام غداً إنهم كانوا “كالمستجير من الرمضاء بالنار”، وإنهم إنما هربوا “من تحت الدلفة لتحت المزراب”، وإنهم سلموا أرضهم وسيادتهم من غير أن يضمنوا استمرار عروشهم وحتى سلامتهم الشخصية.
وحتى اليوم يبدو وكأن كل شيء يسير وفق الخطة المرسومة: فخطيئة صدام حسين باجتياحه الكويت تتكامل ملامحها بمسلسل الخطايا التي يرتكبها “خصومه” يومياً بذريعة الخوف منه.
وإذا كان المطلوب أن يتراجع صدام حسين أولاً فالمطلوب أيضاً أن يتوقف هؤلاء عن إنجاز ما قصروا عنه وفيه!

Exit mobile version