طلال سلمان

على الطريق هوية الوطن جنوبية

ما يحصل في الجنوب وله، واستطراداً في ما تطلق عليه قوات الاحتلال تسمية “الحزام الأمني” اللازم لـ “سلام إسرائيل”، ليس شأناً جنوبياً، أو حتى وطنياً يخص لبنان وحده. إنه شأن قومي من الدرجة الأولى، يمس أمن المنطقة العربية بأسرها، وهو بهذا المعنى شأن دولي لأنه يؤثر بالتعديل والتغيير والتحرير على الخريطة المعتمدة لهذه المنطقة الحساسة والفائقة الأهمية والشديدة التأثير على حركة الصراع وموازين القوى العالمية.
وإذا كان الجانب الإسرائيلي قد اعتبر في إثارة مسألة سعد حداد وتمدده في اتساع مساحة “الحزام الأمني” التي تشمل الجنوب كله وبعض البقاع وصولاً إلى قلب الجبل، ما يهدد خطته لابتزاز الدولة وسلبها بعض أرضها وسيادتها فرفع صوته بالاعتراض مهوناً من أمر ما تفعله قوات الاحتلال بواجهتها “المحلية” فإن ما صدر ويصدر عن بعض الموظفين والمرعوبين اللبنانيين يظل غير مفهوم وغير مقبول، في أي حال.
ذلك إن مسألة ذلك الضابط المنشق والمتمرد لا تحل لا بالصمت ولا بالتواطؤ معه، بل تحل بكشفه وتأكيد تبعيته المطلقة في تحركه وسكونه للخطة الإسرائيلية، وهي خطة لا يمكن لأحد أن يدعي إنها تريد خيراً بلبنان واللبنانيين، لأي جهة ولأي طائفة انتموا.
كذلك فإن مسألة حداد لا تحل بتركه يظهر في صورة “أزهى” و”أجمل” من صورة بعض المحسوبين على “القوات اللبنانية” ممن فظعوا أو يفظعون في الجنوبيين، عبر عمليات الإرهاب المنظم التي تشن ضدهم في صيدا وجوارها، كما في منطقة جبل الريحان، وصولاً إلى روم وجون وما حولها، والتي تستهدف اقتلاع الناس من قراهم وبيوتهم وتهجيرهم ودفعهم إلى أحضان.. سعد حداد أو جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وفي معلومات الدولة، وكذلك الأوساط السياسية والدبلوماسية، إن ما قصر عنه جواده ومن معه، تقوم به الآن جماعة “أبو أرز” ومن معه، سواء في صيدا أو في المناطق الأخرى، وسواء مع اللبنانيين أو مع الفلسطينيين الذين يتنفسون الموت ألف مرة في الدقيقة.
وفي هذه المعلومات إن مصر حسني مبارك تبدي اهتماماً شديداً، وتظهر قلقاً جدياً مما يجري في الجنوب وله، وتتخوف علناً من أن ينتهي الجنوب “ضفة شمالية” للكيان الصهيوني توفر بغزارة مياهها وخصب أرضها ما لم توفره الضفة الغربية أو غزة المحتلتين.
وتضيف هذه المعلومات إن الدولة المصرية التي تتابع بتخوف ظاهر ما يجري في الجنوب وله، ولاسيما ما يجري وما يعد لنهر الليطاني، ومساقط المياه الأخرى، قد نقلت مخاوفها إلى الحكم في لبنان وطالبته بالتشدد – وغلى أقصى حد ممكن – في كل ما يتصل بهذا الموضوع الخطير.
فليسمح لنا، إذن، ألا نكون أقل تشدداً من أولئك الذين تربطهم بدولة الاحتلال معاهدة صلح منفرد تجسمها اتفاقات كامب ديفيد.
فليسمح لنا بأن نرفع الصوت منبهين ومحذرين إلى الخطر الآتي على شكل فتن جديدة يدبرها في الجنوب وللجنوبيين كما لكل اللبنانيين جيش الاحتلال ومن معه،
وإلا فما معنى أن يعرض الإسرائيليون على أهالي صيدا السلاح، بأنواعه جميعاً، تحت ذريعة “الاستعداد لمواجهة جماعة القوات اللبنانية”.
وما معنى أن يعرض المحتل السلاح على الفلسطينيين الذين تبقوا أحياء بعد المذابح التي نظمتها قوات الاحتلال ضدهم، وبالحجة نفسها “لمواجهة القوات اللبنانية”،
وما معنى أن يختفي أي أثر للمئات من “المخطوفين” و”المفقودين” ممن تشير أصابع الاتهام حول مصيرهم إلى “القوات اللبنانية” أو المحسوبين عليها، في حين تتواصل اعتداءات هؤلاء على قرى الأقليات المستضعفة في بعض مناطق الجنوب؟!
إن ما تفعله إسرائيل في الجنوب أخطر مما نتصور جميعاً، والرد عليه يكون وطنياً شاملاً، أو لا تكون له أية قيمة فعلية.
ومن هنا الإصرار على طرح القضية ورفع الصوت بالتنبيه والتحذير، فالنجاح النجاح يكون في الجنوب، إذ من هناك يأتي الوطن ومعه السيادة والاستقلال والهوية والمعنى الفعلي للشرعية ولبيروت الكبرى.
فلبنان بغير الجنوب لا يصغر فقط، مهما كبرت عاصمته، بل إنه لا يكون ومن ثم لا تكون له عاصمة ولا أطراف!

Exit mobile version