طلال سلمان

على الطريق هوامش على ذيل سنة يائسة!

الجنرال الهاً!
*رفع ميشال عون نفسه من رتبة جنرال إلى رتبة .. إله!
إنه منهمك الآن، كما كل دكتاتور صغير سبقه، في العمل لتنظيم الكون وإعادة خلق الإنسان وتربيته بما يتناسب مع “المثال” الذي يتصوره جنرال التحرير!
إنه يكتب ليعلم الإنسان ما لم يعلم! كيف بعتني بجسده، كيف يمارس الجنس، كيف تكون العلاقة بين الزوجين، كيف تكون علاقته بالأديان.
ولعل محيط القصر الجمهوري هو “المختبر” للتجارب العملية التي يجريها الجنرال على إنسانه الجديد.
بهذا المعنى فالطلاب الذين يفرض على المدارس أن تبعث بهم يومياً إلى محيط القصر في بعبدا لا يستدعون فقط ليكونوا متراساً يتحصن خلفه بطل التحرير، وإنما لمهمة تاريخية جليلة: أن يكونوا رسل الحضارة العونية وبناة الكون العوني الجديد!
الداخل بيته بالسلاح!
*ليس تصرفاً حكيماً أن يدخل حزب الله الجنوب بقوة السلاح، بغض النظر عن تبريراته.
تماماً كما لم يكن تصرفاً حكيماً أن تدعي حركة “أمل” لنفسها حق احتكار “قرار الجنوب”،
فالجنوب مثله مثل أية بقعة أخرى من لبنان شأن وطني عام وقضية قومية من الدرجة الأولى، المتخلف عن الجهاد في ساحته مقصر ومتهم في وطنيته وليس العكس.
وقوة الجنوب في عروبته وفي وحدة أهله الصابرين والصامدين من قبل أن تولد “الحركة” ومن قبل أن تنتصر الثورة الإسلامية في إيران وبالتالي من قبل أن ينشأ في ظلالها “حزب الله”.
فلا لبنان بغير جنوب، ولكن لا جنوب ولا لبنان بغير عروبة.
أما السلاح فآخر العناصر المؤثرة… ومن يدخل بالسلاح بالسلاح يخرج، حسب ما تدل التجارب. ففي ظروف الحرب الأهلية وفي منطقة مفتوحة الحدود للعدو القومي يصبح السلاح عبثاً ومجلبة للضرر، إن لم يكن المقاتلون بالسلاح مجرد طليعة لجبهة متراصة قوية بإيمانها بالأرض وهويتها القومية إيمانها بالله واليوم الآخر.
وللمناسبة فالعدو يملك قنابل نووية وصواريخ عابرة للقارات.
للمناسبة أيضاً، تساءل الناس وهم يرون بعض قيادييهم يمتشقون السلاح في بعض مواقع المواجهة في إقليم التفاح، لماذا لم يروا مثل هذه الصور في مواجهة التمرد الانفصالي الذي يقوده جنرال القصر الجمهوري في بعبدا؟!
ولماذا لم يتلاق الطرفان المتواجهان مرة واحدة لا في المعركة ضد العدو القومي ولا ضد التمرد الانفصالي؟
*تهزم العدو، الذي لا يداري أبداً في إظهار هويته، بتوكيد هويتك القومية وليس بتمويهها.
والله، سبحانه وتعالى، أجل من أن يكون هواية لمواطن، هو في نهاية المطاف إنسان معرض للخطأ، ثم إنه محروم من أبسط حقوقه الطبيعية كإنسان.
أن تستعيد حقك على الأرض، كإنسان، كمواطن، شرط لأن تدخل في ملكوت الله.
شهيد الاحتلال… والتعصب!
*سيارة واحدة سمح لها بأن تحمل جثمان الشهيد الدكتور حكمت الأمين إلى مثواه الأخير في جبانة كفر رمان.
سيارة إسعاف تابعة للصليب الأحمر الدولي، ودخلت بإذن خاص من سلطات الاحتلال الإسرائيلي!!
هذا في حين كانت المنطقة كلها ترتج بأصوات انفجار القذائف والصواريخ المتبادلة بين الأخوة – الأعداء من أنصار “الحركة” أو منتسبي “حزب الله”!
الدكتور حكمت الأمين ورفاقه سقطوا شهداء الاعتداء الإسرائيلي بالقصف الجوي على الرميلة.
ما أتفه ادعاءات القائلين بأنهم حماة الجنوب حين يحرم مناضل كالدكتور حكمت الأمين من شرف الاستشهاد في بيته وبيئته وموقع جهاده وخدماته الإنسانية.
لم يستطع أولئك الذين طردوه حياً ذات يوم أن يحموا موكب تشييعه كشهيد للاحتلال الإسرائيلي.
الدكتور حكمت الأمين واحد من الذين أبعدهم عمى التعصب الطائفي والمذهبي وضيق الأفق السياسي، في أعقاب انتفاضة 6 شباط “المباركة”… وقد عاد إليه شهيداً في حين يتساقط من طرده ضحايا عمى التعصب عينه!
طريق العودة؟…
*قال لي صديق في القاهرة: كانت الزيارة الأخيرة لرئيس مصري إلى دمشق تلك الزيارة الشهيرة التي قام بها أنور السادات وهو في طريقه إلى … القدس المحتلة، ترى هل يسلك الرئيس حسني مبارك الخط بالعكس؟!
السؤال: هل تراه يستطيع؟! هل يمكنه نظامه بكل من فيه من “انفتاحيين” وساداتيين منتفعين بالصلح المنفرد الذي تحول إلى مؤسسة لإفساد بل لتدمير الدولة العريقة في مصر؟
ثم هل يمكنه العرب من ذلك؟ عرب النفط وعرب القحط، فكلاهما في هذا الأمر واحد تقريباً؟!
كل هذا قبل أن نصل إلى إسرائيل والولايات المتحدة وضغوطهما القاتلة؟!
ضحية الجلاد .. والضحية!
*قال لي صديق آخر في القاهرة: – صحيح أن العلم الإسرائيلي مجرد خرقة مرفوعة على شرفة نافذة عالية في الطوابق الأخيرة من بناية تكاد تكون برجا، بحيث لا تكاد العين تمزق نجمة داوود وهي تخترق سماء (بل قلب) مصرز
وصحيح إن معاهدة الصلح المنفرد هي “حتة ورق” كما قال الرئيس مبارك أكثر من مرة.
ولكن الصحيح أنني، كمواطن، ضحيتهما في حين أن أهلي العرب يحاسبونني وكأنني صاحبهما، تماماً كما سحاب أهلنا العرب كل لبنان وكأنه بطل الحرب الأهلية بينما هو في الغالب الأعم ضحيتها.
متى يجيء زمن القدرة على التفريق بين الضحية والجلاد، فلا يحاسب الضحية مرتين؟!
متى لا يتخذ بعضنا، نحن الضحايا، من بعض ضحية؟
الشيخ الطيب والبخاخ النقال!
*سألني الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بكثير من الجدية والريبة:
-من قتل الرئيس رينيه معوض؟1
وحين أجبت بما أملك من معلومات سمعت معظمها من أرملة الرئيس الشهيد ومن بعض أقاربه ومعاونيه ومرافقيه، بدت الدهشة على وجه البدوي الطيب،
سأل أكثر فقلت ما أقدره، بالاستنتاج وبالتحليل، حول المستفيدين من مقتل رئيس الحل العربي، وذكرت بعض ما اتصل بعلمي قبل مؤتمر الطائف وخلاله وبعده حول الاتصالات التي أدت إلى اختيار رينيه معوض رئيساً لجمهورية الوفاق الوطني.
سأل أكثر فوصفت مجريات الانتخاب في مطار القليعات، ثم ما أعقبه من لقاءات واتصالات في إهدن وطرابلس وصولاً إلى بيروت، مستذكراً بعض ما كانت شهدته دمشق عشية الانتخاب.
كان الشيخ الذي صار رئيساً من غير أن يفقد طيبته وعفويته وأصالته البدوية حريصاً على أن يعرف، وعلى أن يسمع ما يخالف ذلك الذي سمعه من “البخاخين” والمغرضين والموتورين بالحقد أو بالتعصب الأعمى، ومعظمهم – مع الأسف – من اللبنانيين، وممن هللوا لاتفاق الطائف وكتبوا في تأييده قصائد مدفوعة.
على إذن كل حاكم عربي تقريباً “بخاخ” يحرضه على شعبه وأمته بذريعة الحرص عليه وعلى نظامه من المتطرفين سواء أكانوا هدامين وحملة أفكار مستوردة أو أصوليين يريدون إرجاع التاريخ إلى الخلف.
الشيخ زايد ما زال على إيمانه بالعروبة وبالأمة، بغير ادعاءات وبغير أوهام وبغير مشاريع مرتجلة وغير قابلة للحياة.
وداعاً لسنة البؤس
*بين خمس عشرة سنة من الدمار واليباب والخيبة والموت كمداً بالهزيمة، تحتل 1989 موقعاً ممتازاً باعتبارها سنة البؤس المطلق تقريباً، في لبنان على وجه التحديد.
هل آن زمن الافتراق عن البؤس؟
هل جاء زمن التضامن العربي، الولادة والضمانة لعصر السلام العربي في لبنان!
من يتذكر الانتفاضة؟
*استهلكت منا الذاكرة وتلف القلب والوجدان حتى نسينا وجوه أحبتنا وعطر الورد.
صرنا نمر بأخبار الانتفاضة المجيدة لشعبنا العربي في فلسطين المحتلة وكأنها “حوادث”.
وصارت الصور الخالدة لأطفالنا ونسائنا وشبابنا من راشقي الحجارة تبدو لعيوننا وكأنها لقطات جامدة من مسلسل تلفزيوني طويل.
لقد فقدنا القدرة على الرؤية، ومعها فقدنا الرؤياز
كيف ينتصر شعب لا يرى وبالتالي لا يميز بين ذاته وبين عدوه؟!
كيف يذهب الخوف ليعود البصر ومعه البصيرة؟!
ومن يكسر الحلقة الجهنمية للحرب الأهلية التي تحصرنا وتحاصرنا لكي نسترد قدرتنا على التغيير، وجدارتنا بالحياة في عصر التحولات المذهلة التي تستولد كوناً جديداً وإنساناً جديداً نكاد ننكره وينكرنا، إذ نبدو لعينيه وكأننا بقايا الماضي ومخلفات عصر اندثر ولن يعود؟!

Exit mobile version