طلال سلمان

على الطريق هوامش “بلدية” على حفل ملكي!

لم يكن أحد من المائتي مليون “مواطن” عربي يملك ما يفعله، أمس، سوى أن يقعي على مؤخرته كهر عجوز، أمام الشاشة الصغيرة ليتفرج على “المهرجان الملكي” في حديقة الورد بالبيت الأبيض، وكأنه شأن يقع خارجه!
ولقد سحرته الفرجة والابتسامة الملكية المشعة فكاد ينسى أن “غيابه” كان هو الشرط لانتظام هذا الحفل الكوني المهيب الذي تمت خلاله عملية مسخ “العربي” مخلوقاً جديداً بلا هوية، بلا ذاكرة، بلا اسم، وبالكاد له رقم يعرف به، ولسوف يعرف نفسه به مستقبلاً وإلا شطب كإرهابي مخبول.
عربياً، لا مجال لحضور الطرفين: متى حضر الحاكم كان محتماً غياب “الشعب”،
وهكذا فإن الذين أخذوه إلى الحرب وهم لا يطلبون إلا هزيمته تركوه فيها وذهبوا إلى الصلح منفردين، وصدحوا بما يشبه الغناء: هذا أسعد الأيام، وقد عشنا نصف قرن أو يزيد في انتظاره!
الذين أذلوه بعجزهم، وحطموا رأسه بقمعهم، وأطلقوا شرطتهم تغتال أفكاره وتشنق أحلامه، ثم استرهنوا بالتجويع إرادته وحبسوه داخل خطر الحرب الأهلية لو أصابهم سوء… أولئك باتوا قادرين الآن على إدانته بالجبن والفشل والعجز المطلق، واستغفاله بتصوير ما يفعلونه وكأنه إنجاز تاريخي سيأتيه (هو؟!!) بالرخاء والأمان والتكنولوجيا والسلام والنهوض الاقتصادي!
ملوك الحرب هم ملوك الهزيمة وهم أيضاً ملوك السلام. هل أبرز من هكذا دليل على نجاحهم المطلق في إلغاء ذلك “الوحش بلا رأس” المسمى الجمهور؟!
قال الملك، ونطقه سام، أنه يحقق الآن أحلام جده عبد الله الذي كان يبيع “الشعب” أوهاماً عن الثورة العربية والوحدة العربية وتحرير فلسطين،
ومن قبله كان قد أكد ديفيد بن غوريون ومناحيم بيغن وغولدا مائير وموشي دايان وآرييل شارون وشمعون بيريز ثم إسحق رابين نفسه، أنهم إنما نجحوا – أخيراً – في تحقيق أحلام أجدادهم الغابرين على امتداد ثلاثة آلاف سنة أو يزيد،
ما أشهى أحلام الأجداد… خصوصاً إذا ما جمعت بين “أبناء إبراهيم”، فالأحلام تساوي بين أبناء الست وأبناء الجارية،
لا يهم أنه بلحم الأمة وأرضها قد صار تحقيق أحلام ثلاثة “ملوك” من العرب وأحلام ملايين اليهود المنتشرين عبر التاريخ والجغرافيا في القارات جميعاً، من نينيورك البروتستانتية إلى بولندا الكاثوليكية فروسيا الأرثوذكسية وانتهاء بفالاشا أفريقيا الوثنية الذين مُنحوا أحلاماً بأن “صيّروا” يهوداً وأصحاب حق مقدس في “أرض الميعاد” التوراتية!
لأن الملوك واقعيون فهم كانوا يتهمون “المواطن” في عقله إذا ما انساق مع خياله إلى توهم قيام وحدة عربية، أو تكامل اقتصادي عربي، أو أية روابط جدية بين دولتين عربيتين أو أكثر،
اليوم يكتشف “المواطن” أن الملوك صاروا “وحدويين”، ولكن مع إسرائيل، فمن أراد الوحدة أو الاتحاد أو التكامل أو التعاون فليأت عبر “دولة الوحدة” العبرية؟!
وهل كان “المواطن” يطلب أكثر من “تحقيق سلام عادل ودائم وشامل” مع حكومته الملكية أو ملكه الحكومي؟!
أو أنه كان يطمع في أكثر من “خطوط اتصالات هاتفية مباشرة” داخل قطره أولاً ثم بين القطرين المتجاورين، وأكثر “من ربط شبكتي خطوط القوى الكهربائية” في القطرين، و”فتح المعابر ومنح مجانية المرور إلى سياح البلدان لاأخرى” (لعله يحظى بمثلها)؟؟!
أما “التعاون بين قوات الشرطة” فذلك ظل قائماً على الدوام… ضده، عبر إسرائيل ومعها وكذلك من دونها، فهو المتهم الدائم والمشترك لشرطة الملوك جميعاً.
الآن وقد تحقق الحلم الملكي بإنهاء حالة الحرب مع إسرائيل يتمنى “المواطن” أن تنتهي الحرب المعلنة ضده، ومن “العدوين” – الحليفين – الصديقين، ويأمل أن تتوقف “الأعمال أو النشاطات التي من شأنها أن تؤثر سلباً على أمن الطرف الآخر”، وهو “الآخر” حتى ولو لم يعتبره الملوك طرفاً!
مرة أخرى تتكرر المهزلة، وإن على مستوى ملكي هذه المرة،
*لا يتقدم رابين ولكن الملك العربي هو الذي يندفع إليه مصافحاً ولولا خشية الصد لاندفع معانقاً،
*لا يبتسم الإسرائيلي ولا يجامل حتى وهو يتلقى الابتسامات الرخيصة من هذا المصالح العربي… الثالث!
لا يتحدث الإسرائيلي ارتجالاً، بل من ورقة فيها نص مكتوب أشبعت الحروف والفواصل فيه درساً حتى لا يقع التباس أو سوء تأويل أو خطأ في التفسير!
ثم… أن الإسرائيلي يخطب بعد مقدمة قصيرة بالإنكليزية، كمجاملة لمضيفه الأميركي، بالعبرية، وبتبرير معلن: أنه يتوجه إلى شعبه!
أما الملك فهو واثق من إتقان المائتي مليون عربي، وبينهم الأخوة من بدو الأردن، اللغة الإنكليزية، ولذلك فهو قد أهمل لغة جده العتيقة ليخاطبهم بلغة الغد… وكشرق أوسطيين، بل كرواد للشرق أوسطية!
أمس، تهاطلت الرحمات على أنور السادات: لقد أعطى بعض المعنى للسقوط، كان أعظمهم شجاعة وهو يصعد… إلى القاع!

Exit mobile version