طلال سلمان

على الطريق هدنة الأخضر… الإبراهيمي!

لو عرب الأخضر الإبراهيمي إن “حرب العماد” تنتهي بمجرد الاعلان عن قدومه إلى لبنان لجاء قبل 14 آذار، ولقرر الإقامة في بيروت موفراً على لبنان واللبنانيين ما دفعوه من ثمن باهظ لتحرير الملجأ الجمهوري في بعبدا الذي منه انطلقت المسيرة المظفرة بقيادة المحرر البطل ميشال عون.
فهذا السياسي – الدبلوماسي الجزائري الهادئ هدوء من يعرف أكثر مما يجب، يحب لبنان واللبنانيين (وسائر العرب) حبه لبلاده، بحيث لا يمكن أن يتردد في قبول مهمة جليلة كإقناع العماد عون – مثلاً – بأن مدينة مثل بيروت ليست كريهة إلى درجة تستوجب هدمها،
على إن العماد السريع البديهة قد استبق وصول ممثل الأمين العام للجامعة العربية فأعلن اقتناعه بالمسائل البسيطة التالية:
1 – إن لا ضرورة للحرب، ولا ضرورة حتى للتحرير!
“نحن أمام هدنة، بمعنى الهدنة…” قال الجنرال، و”أمام مرحلة تفاوضية نتمنى لها النجاح وسنساهم في إنجاحها”!!
2 – إن أسباب الحرب لم تكن تبرر الحرب، أصلاً،
“… وبالنسبة إلينا لم تعد قضية المرافئ شيئاً أساسياً بعدما طرح موضوع الوجود السوري في لبنان وموضوع الاحتلال وبرمجة الانسحابات”، قال الجنرال مؤكداً “قصة المرافئ صارت ثانوية، وهناك، بالمقابل، قصة حالات”!
حرب مطار حالات، مرة أخرى، يا جنرال؟! رحمة الله عليك يا سمير جعجع: من التحرير إلى مدرج حقير في حالات؟!
3 – إن مجلس النواب، كالمرأة، شر كله وأشر ما فيه إنه لا بد منه،
لكن الجنرال اعتبر نفسه علة وجود مجلس النواب ومصدر الشهادة بموته أو حياته،
“قبل 22 أيلول، أي قبل ما أصبح أنا رئيس حكومة، فقد مجلس النواب صفته التشريعية…” قال الجنرال، ثم أضاف: “استمرار مجلس النواب مرتبط بنجاحنا نحن كحكومة. نحن نؤمن إحياءه، برغم إنه لا يمثل أكثر من 2 إلى 3 في المئة، والمجلس يحافظ على صفته التمثيلية إذا كان متجانساً مع رغبات الشعب”،
وطالما إن الشعب قد أنبت قائده، فمهمة المجلس أن يكون في خدمة القائد!! و”أنا أجاهد حتى أرجع له حريته كمجلس نواب، فلماذا يرى النواب فينا، دائماً ، أخصاماً لهم”؟!
4 – إن البطريرك الماروني “صديق” ولأنه صديق فلقد عاتبه بأن سير التظاهرات ضدهن وتدليلاً على رسوخ الصداقة كلف من يرفع في وجهه الحذاء لرذه عن غيه، فالعتاب صابون القلوب!
وألغي يتمثل في نظر الجنرال ببيان بكركي الذي “سبب لنا الأذى الكبير في المؤسسات الدولية والجامعة العربية وكبح سرعة التحرير”
أما وقد تاب البطريرك، فالجنرال يرحب به إذا ما تلا فعلي الندامة والاعتراف ألفي مرة ثم جاء إلى الملجأ الجمهوري معتذراً مستغفراً عما تقدم من ذنوبه وما تأخر!
لكن العماد عون الثابت على المبادئ قد أعلن بالمقابل:
1 – إن لا انتخابات ولا رئيس للجمهورية إلا بعد التحرير.
قال لا فض فوه: “نحن حرقنا المراكز خلفنا ومشينا، لا نفكر بقصة رئاسة، نفكر بتحرير الوطن وطن محرر له رئيس، وطن غير محرر له عميل”.
أترى نسي العماد إنه نصب رئيساً، أو إنه نصب نفسه قبل التحرير، وهل تراه عميلاً هو الآخر كونه قبل الرئاسة قبل التحرير؟!
2 – إن لا إصلاح إلا بعد الانتخابات التي هي بعد التحرير التي هي بعد الحرب التي بعدها تكون المفاوضات!
“طرح الاصلاح بالمقارنة مع الاحتلال جزء من الجريمة وجزء من المؤامرة، بل الغلاف للمؤامرة، قال الجنرال!
من يطرح الاصلاح، عميل في خدمة الاحتلال،! هو خارج الوطن ، لأنه خارج عليه، إذن! الرافض للاصلاح هو الوطني. والوطني أيضاً هو الرافض للانتخابات. الجنرال يغني عن كليهما، بل هو يغني، أيضاً، عن الماء والكهرباء والخبز. عن الحكومة ومجلس النواب. عن الوطن كله. أليس هو كل هذه القيم والمعاني مجتمعة؟!
ثم إن الاصلاح يحتاج وقتاً.
أما الحرب، وكما أثبت الجنرال بالملموس، فلا تحتاج إلا إلى الرعونة والاستهانة بحياة الآخرين،
3 – إن العرب عربان وإنه قد اختار عربه
“نحيي موقف العراق الشقيق، رئيساً وحكومة وشعباً”
ومع تحية صدام لا بأس من التنويه بالموقف الطيب لياسر عرفات، ولا بأس من إشارات ضمنية إلى العرب الآخرين الذين “قبلونا”.
الجنرال اختارإذن، موقعه في المحور العربي المناهض لسوريا، وهو قد اندفع إلى الحرب لخدمة أغراض ذلك المحور وليس من أجل التحرير والسيادة والاستقلال واستعادة الدولة وشرعيتها الخ..
على إن الجنرال يحتاط للمستقبل، ولذا فقد ربط كل شيء بما سيسمعه اليوم من الأخضر الإبراهيمي وبما سيتحقق من وجوده في حقيبة السفير الجاسم،
ولأن عارفي الأخضر الإبراهيمي يثقون بقوة حجته، خصوصاً إذا ما تعززت ببركات الجاسم، فهم ينامون منذ الآن على حرية الهدنة التي قد تمتد إلى ما بعد مؤتمر القمة الاستثنائي في الرباط لتصل إلى موعد القمة “العادية” التي يفترض أن يستضيفها ذات يوم الملك المكرم نفسه بلقب خادم الحرمين الشريفين، والمكلف نفسه حل جميع المشكلات بعد حلها..
“حرب العماد” تنتهي اليوم، بهدنة الإبراهيمي الذي يستمد قوته مما يتجاوز كفاءته الشخصية: من اسمه الأول المعزز كويتياً بالجاسم،
لقد اشترى العرب “حرب العماد” ومعها مرافئ وليد جنبلاط ونبيه بري، ومعروض عليهم الآن مطار حالات،
أما الاصلاح فلا يجد زبوناً يشتريه، مع إن المستعدين لبيعه كثر.
وأما الرئيس الجديد فسينتظر من يدفع فيه ثمناً يكفي لتحرير الملجأ الجمهوري من جنرال التحرير الذي يبيع نقداً وبالتقسيط مؤكداً انتماءه الأصيل إلى النظام اللبناني الفريد!

Exit mobile version