طلال سلمان

على الطريق هجوم ما قبل روما…

لن تكون روما مثل مدريد، ولن تكون اللقاءات المقررة فيها مجرد استئناف آلي للمفاوضات المباشرة بين العرب والإسرائيليين من حيث توقفت في واشنطن “حتى لا يستغلها شامير وحزبه المتطرف (!!) في انتخابات الكنيست”.
ومقدمات الموعد المضروب في العاصمة الإيطالية تتمثل – إسرائيلياً – في هذا الهجوم السياسي – الدبلوماسي الشامل الذي تغطي جبهاته إضافة إلى العاصمة الأميركية وإدارة بوش – بيكر فيها، بعض مراكز التأثير والضغط على الموقف العربي.
ولكل جبهة سلاحها:
للداخل الفلسطيني العنف كله، مع تلويح بمشروع مبهم وحمال أوجه للحكم الذاتي، مع سعي حثيث لإشعال نار الفتنة وتمزيق صفوف الفلسطينيين.
فلكي يعاد فتح جامعة النجاح ويرفع الحصار عن نابلس، لا بد من طرد العلم والمتعلمين، ولا بد من تأديب كل من يفكر بالاعتراض أو برفع صوته،
و”إكراماً” لجيمس بيكر فلا بأس من قرار بتجميد بناء المزيد من المستوطنات لمدة أسبوع، لحفظ ماء وجهه أمام “العرب”، ولتمكينه من أن يقدم لهم “رجل واشنطن في تل أبيب” بوصفه نقيض سلفه “المتطرف” اسحق شامير!
والأسبوع مدة كافية لكي “يقتنع” العرب، فيتدبروا أمر المليارات العشرة التي ستقدمها إدارة بوش – بيكر لرجلها إسحق رابين من أجل المستقدمين اليهود البائسين الآتين من بلاد الصقيع والشيوعية الهدامة.
أما مصر فلا بد من إحراجها وإنهاء الالتباس في سياسات نظامها الضعيف، وهكذا يطلب من حسني مبارك أن يستقبل أول رئيس لحكومة إسرائيلن وهو أمر كان يتحاشاه منذ أن خلف السادات وإرثه الثقيل.
في الوقت ذاته يطير رئيس الكيان الصهيوني إلى عاصمة الخلافة والسلطنة العثمانية، في محاولة للإيحاء بأن إسلام الأتراك لا يمنعهم من إقامة أوثق العلاقات مع من يحتل أولى القبلتين وثالث الحرمين فيأرض فلسطين المقدسة،
هذا مع الإشارة إلى الدور الكبير المكلفة به تركيا في العالم الإسلامي الخارج من الشيوعية إلى الحرب الأهلية والضياع ومحاولة استعادة الهوية.
فإذا ما استذكرنا النجاح الباهر الذي حققته السياسة الأميركية في استدراج السعودية والمغرب إلى قلب “عملية السلام”، وفتحت أبوابهما للاتصال المباشر مع الإسرائيلي،
وإذا ما استذكرنا واقع العراق المهزوم والمحاصر والمعرض للفتيت المنهجي، مع الحرص على ضمان سلامة صدام حسين على رأسه.
… وإذا ما استذكرنا واقع الحصار المفروض على ليبيا والمرشح لأن يصبح أكثر قسوة مع اقتراب اللحظات الحاسمة في المعركة الرئاسية الأميركية،
إذا ما استذكرنا ذلك كله التبس الأمر وتداخلت الخطوط فبات صعباً وضع الحد بين ما هو أميركي وما هو إسرائيلي في الهجوم الشامل الجديد الممهد للقاء العتيد في روما.
إن الحكومة الإسرائيلية الجديدة تهاجم متكئة على دعم أميركي مفتوح.
والإدارة الأميركية تهاجم مسلحة الآن بقدرتها على إزالة ما كان العرب (وبعض الغرب) يفترضونه عقبة كأداء: أي حكم شامير.
وعلى الطرف العربي، المتبقي بعد كل محاولات تحجيمه وتطويقه ومحاصرته، أن يواجه هذين الهجومين الشرسين معتمداً على “حسن النوايا” الأميركية كما تمثلها إدارة بوش – بيكر، وعلى “اعتداء” اسحق الثاني مقارناً باسحق الأول “الإرهابي”!
قاسية ستكون روما على الذاهبين إليها بوهم تحقيق نجاح سريع في المفاوضات مع الإسرائيلي الصعب،
ولا يبقى من مقومات الرهان غير الافتراض بأن حاجة بوش إلى نصر دبلوماسي مدو قد تفرض عليه محاولة “استرضاء” الطرف العربي المتبقي حتى لا يشوش على مقتضيات نجاحه في معركته الانتخابية القاسية.
وربما لهذا تتوالى المبادرات الإسرائيلية النشطة، حتى تنعدم فرص مثل هذا الاحتمال.
ملحوظة: فتشوا عن هذه اللوحة على موقع الانتخابات النيابية العتيدة في لبنان.

Exit mobile version