طلال سلمان

على الطريق نقطة نظام – رد بالنظام: ليس النواب المسيحيون هم المسؤولون ولقد أخطأنا بالتفرد بعد تهرب الآخرين!

قالوا بصوت واحد وقبل أن نفرغ من تبادل قبلات اللقاء.
-… ونحن لنا “نقطة نظام” بالاعتراض على ما كتبته معترضاً على أسلوب مناقشة بند السيادة في الوثيقة العربية للوفاق الوطني.
أضاف أولهم: – لقد ظلمتا مرتين، مرة كنواب، ومرة ثانية كمسيحيين.
أكمل الثاني كمن لا يستطيع صبراً، فلقد حملتنا وزراً لم تكن لنا يد فيه ولا كان بوسعنا أن نمنعه.
قال الثالث بتحديد أدق: – لسنا نحن المسؤولين عن تصوير السيادة وكأنها “شأن مسيحي”، بل ولسنا من يسأل أو يساءل عن هذه الواقعة، بل غيرنا…
كانوا ثلاثة من الوجوه البارزة بين المؤتمرين هنا، وكانت “الأرض المحايدة” التي أمكن ترتيب اللقاء فيها مطعم فندق “شيراتون” الذي يقوم على كتف تلة من تلك “الأسنام” من التلال التي تربط بين الطائف والهدا والمتجمعة عند سفح القمة العالية لجبل غزوا مشكلة تخماً جبلياً لحرم مكة المكرمة.
فأما أول النواب الثلاثة فيتحدر من مرحلة “عمل قومي” سبقت استقلال الدولة في لبنان والاعتراف العربي (السوري أساساً) بكيانه السياسي، ثم دعمت ذلك الاستقلال بالميثاق الوطني والصيغة الفريدة (!!) حتى لا يكون انفصالاً وانسلاخاً عن الانتماء القومي المؤكد بالتاريخ كما بالجغرافيا والمصالح المشتركة.
وأما ثانيهم فمن “الأبناء الشرعيين” للعهد الشهابي الذي كان شعاره “بناء دولة الاستقلال” في ظل تنسيق شامل مع قيادة العمل القومي، آنذاك، ممثلة بجمال عبد الناصر والجمهورية العربية المتحدة التي عززت سوريا بمصر وأعزت أرض الكنانة بقلب العروبة النابض.
وأما الثالث فممن حملتهم إلى دنيا السياسة موجة “الثورة من فوق” التي قادها نقاش الشعارات وصائغها صائب سلام عبر “حكومة الشباب” كعنوان مفترض لعهد سليمان فرنجية، وكمحاولة أخيرة لإنقاذ النظام المتهالك، وهي في أي حال المحاولة البائسة التي تهاوت بغير نجاح على أعتاب تعنت “الطائفة العظمى” مسرعة بذلك أوان انفجار الحرب الأهلية في لبنان..
(للمناسبة، استعاد النابهون وأصحاب الذاكرة القوية من البرلمانيين المحتشدين في قصر المؤتمرات بالطائف، أمس، الذكرى الثالثة عشرة لانعقاد قمة الرياض السداسية التي وضعت حداً لحرب السنتين، بينما هم يجهدون أنفسهم (والغير) ويجتهدون لكي يجترحوا معجزة الشروع في عملية إنهاء الحرب المفتوحة في لبنان، بعد، برعاية اللجنة العربية الثلاثية المنبثقة عن قمة الدار البيضاء الاستثنائية والمكلفة تنفيذ قرارها حول لبنان).
قال النواب الثلاثة : – كنا مثلك حرصاً على ألا يتخذ الموضوع السياق الذي اتخذه، فلا موضوع السيادة شأن بحت مسيحي، ولا نحن نقبل أن ننفصل عن أخوتنا وزملائنا من النواب المسلمين لنستأثر بهذا الشأن الوطني الخير.
“ولقد حاولنا، بداية، أن يتم تناول بند السيادة في الإطار ذاته وبالكيفية ذاتها التي تناول بها المؤتمر بند الاصلاح السياسي.
كان الطبيعي والمنطقي أن تضع لجنة الصياغة، أو فريق العمل، أو “فريق العتالة”، يدها على هذا البند، وأن تطرحه على النقاش المفتوح حتى نتوصل إلى اقتناع مشترك سواء بالتعديل أو بالابقاء على النص كما هو، أو بإرفاق النص ببعض الملاحظات أو الاستيضاحات.
“كنا نريد، بل ونتمنى أن يتم الأمر عبر المؤتمر، وعبر لجنة الـ 17 المكلفة منه بإدارة النقاش، تحت إشراف الرئاسة، وصولاً إلى التوافق، لكن ذلك، ومع الاسف الشديد، لم يحصل”.
لم يكن أي من الثلاثة راغباً في التحديد والتسمية، ومن هنا فقد أضافوا قولهم:
“- لقد اتصلنا بالرئاسة مرة ومرتين نسأل عن موعد طرح هذا البند للنقاش في مجلس اللجنة، كذلك اتصل بعضنا ببعض زملائنا المسلمين، وانتظرنا عبثاً أن ندعى، فلم توجه الدعوة، ولا تحرك أحد لضبط النقاش وتقنينه…
“أكثر من هذا، لقد أنفض السامر فجأة فلم تعد تعقد أي لقاءات لا موسعة ولا مصغرة، لا في إطار لجنة الـ 17 ولا في إطار أضيق، لا بدعوة رسمية من رئيس المؤتمر ولا بدعوة شخصية من الأقطاب أو ضباط الارتباط أو العناصر المتحركة،
“كان واضحاً أن أحداً لا يرغب في المناقشة المفتوحة.
“كان كثيرون، ونقولها بصراحة، يتعاملون مع الموضوع وكأنه قنبلة موقوتة.
“ولقد جاءنا غير زميل ليقول: رجاء لا تحرجونا،
“بل إن بين هؤلاء الزملاء من جاء يهمس في آذاننان: تحركوا ونحن معكم قلباً وقالباً، ولكن قدروا ظروفنا الخاصة، فنحن لا نستطيع أن نتصدى بالنقاش للوجود العسكري السوري بينما نحن في مناطقنا بأمس الحاجة إليه.
“طبعاً هناك من قال بشيء من الغل: اذهبوا في الأمرإلى مداه واطمئنوا إلى تأييدنا المطلق. إنها فرصة لتوكيد تعلقنا بسيادة لبنان وتقديسنا لها… لكنكم أكثر حرية منا فتحملوا عنا هذا العبء الذي لا نقدر على حمله…”
أكمل “شيخ” الثلاثة “وكبيرهم” الذي علمهم وعلم غيرهم السحر، فقال:
“- كانت اللجنة العربية تنتظر، وكانت رئاسة المؤتمر كمن أصابه شلل، وكان زملاؤنا إياهم قد اعتبروها إجازة فنزلوا إلى السوق يتبضعون،
“ولقد وجدها المتطرفون والمتشنجون فرصة ذهبية فانقضوا على الموضوع وهات يا مزايدات…
“بدأ الأمر بطلب الإصرار على التعديل، وليكن ما يكون، برغم كل ما بذلته اللجنة العربية من جهد لإفهامنا وإقناعنا إن التعديل يعني نسف الوثيقة ونسف الجهد الذي بذل للوصول إلى هذا التعاقد العربي – الدولي، ويعني تعريض المؤتمر لخطر الانهيار، بكل ما يعنيه ذلك من نتائج مريعة يمكن اختزالها بخطر انفجار الوضع مجدداً وبلا ضابط، هذه المرة، ولا مرجع أو مرجعية تعتبر نفسها معنية ومسؤولة عما يصيب لبنان واللبنانيين.
“حتى لا نترك الحبل على غاربه، تنادينا إلى لقاء مسيحي موسع، سرعان ما اختصرنانه بلجنة مصغرة تضم العقلاء منا من دون أن نهمل المتطرفين…
“أشبعنا الأمر نقاشاً، وكنا في كل يوم نذهب بحصيلة النقاش إلى زملائنا لكي يكونوا في جونا.
“وحين استقر بنا الرأي على إعداد مذكرة بوجدهة نظرنا، طلبنا موعداً مع اللجنة العربية، فأطلعناها على قرارنا، ولما رأيناها تستهول حكاية المذكرة بطلب التعديل، عدلنا الصيغة في اتجاه الاكتفاء بملاحظات على النص تستدرك النقص وتوضح ما غمض معناه أو ما يمكن أن يلتبس على الناس فهمه.
“طلبت اللجنة تحديد الأسباب الموجبة كتابة فكتبناها، وأحالنا الأمير سعود الفيصل إلى رفيق الحريري لكي نناقش الكيفية، فذهبنا إلى الحريري وناقشنا حتى مواقع النقاط والفواصل في النص.
“لم نكن نريد استيلاد أزمة، ولم نكن نصر على التعديل وبعثرة الجهود الذي بذلت من أجل الوصول إلى هذا المشروع العربي لحل الأزمة في بلادنا، ولم نكن على وجه الدقة نريد إهدار هذه الفرصة الأخيرة للإنقاذ.
“على النقيض من ذلك، كنا نستهدف ضمان النجاح لمؤتمرنا وللجنة العربية ولمشروع الحل العربي، ومن هنا كان حرصنا على استيعاب المتطرفين والمتشنجين.
“وكنا نريد أن نعود إلى لبنان أقوياء بإنجازنا، أقوياء بوحدتنا، أقوياء بالوثيقة والدعم العربي والدولي شبه الشامل لها كإطار للحل في لبنان”.
وختم “حكيم” الثلاثة، وهو دقيق في اختيار الكلمات، أنيق في استخدام الايماءات والتلميحات ، فقال:
“- لم نكن نقصد أن نهرب بند السيادة، ولم نكن نريد أن نحرم أخوتنا وزملاءنا هذا الشرف، ولا كنا بصدد احتكاره، كذلك فلم نكن ننطلق من عداء لسوريا أو من تأثر بجو الحقد الأعمى الذي خلقه “جنرال حرب التحرير”، فنحن نعرف إننا لا نستطيع أن نحل شيئاً من دون سوريا، بل ومن دون التعاون المخلص معها. هي وحدها القادرة على إنجاز مشروع الحل أو إفشاله، وهي القادرة على مساعدتنا كما لا يستطيع أحد في العالم، بمن في ذلك أخواننا العرب، وضمن هذا المناخ تحركنا وسعينا حتى وصلنا إلى ما يمكن اعتباره صيغة مشرفة ومناسبة لحسم النقاش في أمر بند السيادة”.
بعد هذه المطالعة استدرك النواب الثلاثة فقالوا بلسان أكثرهم عفوية وصراحة:
“- على إن هذا لا يمنعنا لحظة من الاعتراف وبشجاعة، إن الأسلوب كان خطأ لا يغتفر، وإنه ما كان يجوز أبداً، وتحت ظل أي اعتبار، أن ينحصر النقاش بين اللجنة العربية وبين “نواب الشرقية” أو النواب المسيحيين.
“كان علينا، ربما، أن نصر أكثر على رئاسة المؤتمر حتى تتحمل مسؤوليتها في إدارة النقاش وفي ضبطه ضمن المناخ الوطني وفي إيصاله إلى النتائج المرجوة.
“لكن ما العمل إذا كانت أوساط الرئاسة قد أشاعت، ومع لحظة وصولنا إلى هنا ما يفيد بأن “الرئيس يقطع يده ولا يرفعها بالموافقة على نص الوثيقة العربية للوفاق الوطني في لبنان”… وبأنه، برغم كل شيء، لا يستطيع أن يتحمل المسؤولية التاريخية لتمرير هذا النص من دون تعديل.
“ثم ما العمل إذا كان الآخرون قد فضلوا أن يبعدوا عن الشر وأن يغنوا له؟!”
أضاف “كبيرهم” المتحدر من أصول قومية:
“- نعترف إننا ، بالنتيجة، قد نكون أخطأنا بحق أخوتنا المسلمين، ونتفهم غضبة الكبرياء للوطنية وللحرص على لبنان وسيادته.
“لعله كان علينا أن نصبر أكثر، أن نعمل أكثر، حتى لا نبدو وكأننا ننفرد، فنحن نفهم إن هذا المسلك يتضمن نوعاً من الطعن بحرص المواطن المسلم على سيادة لبنان..
“ولكن عليكم أن تقدروا ما نواجهه نحن في بيئتنا، إننا نواجه التركة الثقيلة للزعامات والمنظمات والأحزاب التي قامت على التعصب الطائفي، وعلى استنفار الغرائز الطائفية، من الكتائب وآل الجميل إلى كميل شمعون ونجله داني الذي يبدل مواقفه كما يبدل قمصانه، انتهاء بميشال عون وجنونه الذي اعتمد أولاً وأخيراً على تهييج الشارع المسيحي بشعار التحرير فكانت النتجية أن حرر البلاد. أو كاد يحررها من المسيحيين…”
عاد “الحكيم” إلى الكلام فقال مختتماً هذا الحوار – الرد:
“- إن مؤتمرنا في الطائف مناسبة لتجديد الوحخدة الوطنية، وتجديد دولة الاستقلال، وتصحيح العلاقات في ما بين اللبنانيين. لقد وافقنا من دون تردد يذكر على بند الاصلاح الذي ينتقل بنا من حكم الفرد إلى دولة المؤسسات، برغم إننا ظلمنا حين حوسبت الرئاسة على أخطاء الرئيس… وافقنا بقصد أن ننهي، أساساً، عصر التمييز بين المواطنين وتصنيفهم فئة أولى ممتازة وفئات ثانية وثالثة وعاشرة ووافقنا بقصد أن ينتهي عهد التشكيك بولاء المسلم للكيان اللبناني، ومن ثم اعتباره ناقص الكفاءة والأهلية كي يؤتمن على لبنان…
“لقد كسبنا، نحن القائلين بلبنان الواحد الموحد، دولة المؤسسات والمساواة بين مواطنيه في الحقوق والواجبات – هذه الجولة المهمة في الطائف.
“والمهم الآن أن نوحد جهودنا وصفوفنا لمواجهة ما ينتظرنا في بيروت، وهو خطير،
“وهناك نكسب الحرب، خصوصاً إذا ما تجاوزنا بعض الأخطاء التي وقعت هنا والتي نتحمل مسؤوليتها جميعاً.. فهاتوا أيديكم لكي ننهي عصر الحرب في لبنان وعليه”.
لقد تقصدت أن أعرض بغير نقاش ما قاله النواب الثلاثة الذين جهروا باعتراضهم على اعتراضي على مناقشة بند السيادة وكأنه شأن مسيحي خالص لا يعني المسلمين من قريب أو بعيد.
ذلك لأن الهدف من توسيع دائرة الحوار حول هذا الأمر الحساس إنهاء بعض الاشكالات والالتباسات ومصادر سوء الفهم ومن ثم الخلل في العلاقة بين الطائفة العظمى وسائر عباد الله في لبنان.
والحوار مفتوح بعد، ويجب أن يظل مفتوحاً حتى نكشف ونحسم ونقطع تلك الجذور السامة التي استولدت الحرب الأهلية في لبنان،
فلا لبنان بغير حوار،
كما لا لبنان من دون دولة، ومن دون هوية عربية،
ولا لبنان في ظل حرب مضمرة أو معلنة على حقائق التاريخ والجغرافيا والحياة، وعنوانها سوريا.
والحوار يقصر أمد الحرب وأمر المنتفعين بها والمستمرين بفضل نعمتها وترياقها القاتل!

Exit mobile version