طلال سلمان

على الطريق نظام الإرهاب العالمي الجديد

تماهت “الشرعية الدولية” مع “الإرهاب الدولي” بحيث بات صعباً التمييز بين المؤسستين الخاضعتين لقيادة واحدة: أميركية، وإن كانت معظم قراراتها “العربية” إسرائيلية الطابع.
ولن يستغرب أحد إذا ما أصدر مجلس الأمن الدولي غداً قراره بفرض الحصار على لبنان، أو بشطب إيران من خريطة الدنيا، أو بتصنيف الدين الإسلامي “حركة عنصرية معادية للسامية”،
لقد انتهى زمان الدهشة والاستغراب والمفاجأة، الكومبيوتر يستدرك كل شيء!
وحتى من قبل صدور القرارات الجديدة فإن أكثرمن مائة وخمسين مليون عربي هم الآن في التصنيف الإسرائيلي – الأميركي – الدولي: إرهابيون!
فليس لبنان وحده المحتجز رهينة في معسكر الاعتقال الإسرائيلي،
إن المنطقة العربية بكليتها، تقريباً، محتجزة في ذلك المعسكر بتهمة ممارسة الإرهاب ضد أعظم القوى الإرهابية عبر التاريخ!
من الجزائر المثخنة بالجراح، على ليبيا الأسيرة والمعزولة عن العالم، إلى السودان الموضوع في الحجرالصحي وكأنه وباء، إلى فلسطين المضيعة بين معتقلين، إلى سوريا المدانة سلفاً ومن قبل سماعها، إلى العراق الممزق الأوصال والمحاصر بالجوع كتأديب إضافي لشعبه ولإخضاعه نهائياً لسطوة صدام حسين، فإلى اليمن التي قد يزج بها في المعتقل إذا ما نجحت في توطيد وحدتها،
كل أولئك الملايين في مشرق الأرض العربية ومغربها، وبينهم اللبنانيون، مطاردون باللعنة ومدانون سلفاً والمطلوب تنفيذ حكم الإعدام فيهم بوصفهم “إرهابيين” و”عملاء” للإيرانيين وأتباعاً مضللين ومغرراً بهم للأصولية الإسلامية الشريرة!
ولأن إسرائيل جبارة القدرة وعبقرية الذكاء، فهي قد انتصرت على هؤلاء جميعاً وأذلتهم وأتت بملوكهم صاغرين فوقعوا صكوك الاستسلام مع “الإرهاب الأكبر” وأتبعوه لمقاومة “الإرهاب الأصغر”… حيثما وُجد!
لكن إسرائيل المهتمة بالسلام العالمي وبتوطيد دعائم الأمن والاستقرار وجدتها فرصة تاريخية لتقدم نفسها بوصفها القوة الوحيدة القادرة على إرهاب الإرهاب، والمستعدة للتضحية من أجل استئصال آخر معارض أو معترض في أربع زوايا الكون.
أي أن الإرهابي الأول والأخطر في الدنيا قد تطوع لإنقاذ العالم، وقرّر أن يكون “شركة مكافحة الشغب” على المستوى الكوني، مستفيداً من تاريخه العريق في هذا المجال: من عصابات “الهاغاناه” و”شتيرن” إلى جيش الدفاع الإسرائيلي والكوماندوس والموساد…
ويمكن للإسرائيليين فعلاً الادعاء أن أحداً لا ستطيع مجاراتهم في مجال الإرهاب،
إنهم الممتازون والمميّزون في القدرة على ممارسة القتل الجماعي بدعم بارد، وبغير تفرقة في الجنس واللون والعرق والانتماء الديني!
إنهم “محترفون”… ولطالما نسفوا وقتلوا ونظموا المجازر الجماعية واغتالوا وفجّروا وفخخوا الرسائل والطرود البريدية والسيارات والمكاتب والبيوت والفنادق، داخل فلسطين وما جاورها من الأرض العربية، أو في العواصم البعيدة.
وهم “الخبراء” في اختطاف “المطلوبين” لعدالتهم والاتيان بهم من أقصى نقطة في الأرض إلى داخل الكيان لمحاكمتهم عن تهم مر عليها الزمن، ثم أنها جرت في بلاد أخرى وضمن ظروف محددة تنتمي بمجملها إلى تراث “الحرب العالمية الثانية”،
فهم بعد إقامة “دولتهم”، قد ابتدعوا فن “إرهاب الدولة”، خصوصاً وأنهم قرروا اعتبارها “دولة اليهود في العالم” فألحقوا بتابعيتها (ومسؤوليتهم) كل يهود الدنيا، واستمروا يمارسون الإرهاب كسياسة رسمية معتمدة لاستقدام أكبر عدد ممكن من يهود “الدول الأخرى” إلى “أرض الميعاد”.
لا توجد مدينة في الدنيا إلا وتحمل جنباتها آثار بعض العمليات الإرهابية الإسرائيلية، وكثير منها نفذ لتثبيت الصورة المهزوزة والملفقة عن اضطهاد بني البشر عموماً والأوروبيين خصوصاً لليهود كيهود،
ولم يحدث إن تباهت “دولة” بممارسة الإرهاب علناً وبواسطة “جيشها” وقواتها الخاصة وأجهزة استخباراتها، كما فعلت إسرائيل،
مع ذلك فإن ضحايا الإرهاب الإسرائيلي هم وحدهم المتهمون الآن بأنهم إرهابيون،
الجلاد هو القاضي، والضحية يتم إعدامه للمرة الثانية، بل العاشرة،
والولايات المتحدة الأميركية تستعين بخبرة الإرهابي الأول وتحالفه وتطلب مساعدته في غزو هايتي، وربما دول أخرى، كأنما غابت كفاءتها في هذا المضمار بغياب “الرؤساء التاريخيين” الذين “خلد ذكرهم” بقرارات الغزو والتدخل الدولي التي نال العرب منها النصيب الأوفر،
إنه النظام العالمي الجديد، نظام الإرهاب الدولي الجديد وبالرعاية الأميركية وبالقيادة العملانية الإسرائيلة!
أليس عجيباً ألا يخرج الناس جميعاً على هذا النظام شاهرين سيوفهم؟!
وطالما إننا مدانون سلفاً بتهمة الإرهاب فلماذا لا ندافع على الأقل عن أنفسنا حتى لا نؤخذ نائمين.

Exit mobile version